رأي ومقالات

وقيع الله حمودة شطة : حوار مقدمي البرامج الحوارية في قناة النيل الأزرق


[JUSTIFY]هذه قراءة نقدية لحلقة الحوار التي قدمها الأخ محمد محمود يوم الثلاثاء 22/7/2014م الموافق 42 رمضان 1435هـ .. ليلة أمس الأربعاء بقناة النيل الأزرق، تحت عنوان: «كلام سوداني» في سهرة رمضانية رائعة. كنت أدير مؤشر التلفاز بحثاً عن تقارير إخبارية حيث كنت في طريقي إلى قناة الجزيرة أو الـ «بي. بي. سي» لكني تفاجأت باطلالة الأخ محمد محمود وانطلاقة حلقة جديدة من «كلام سوداني» بوجوه جديدة ظهرت أمامي مباشرة، فإذا هي شخصيات ووجوه تجعل المشاهد والمراقب والمثقف والمواطن العادي، يتريث ويقف لمشاهدتها والاستماع لحديثها، ولهذا السبب قررت مشاهدة ومتابعة الحلقة الحوارية التي ظهر على الشاشة ليتحدث فيها خالد ساتي والطاهر حسن التوم، ولمياء متوكل، وفيصل محمد صالح، وأحمد البلال الطيب، ونسرين النمر، والزبير، وسلمى سيد. وقيمة الاهتمام بالحلقة تضاعفت عندي بالنظر إلى ضيوف الحلقة الذين جميعهم نجوم لامعة في سماء القنوات السودانية، وهم إعلاميون وصحفيون ومقدمو برامج لبعضهم خبرات طويلة في هذا الجانب، والبعض الآخر صعد إلى مسرح النجومية في هذا الجانب أو هناك زعم على هذا النحو.

وفي حقيقة الأمر أعتقد أن الأخ محمد محمود قد نجح في جمع هذه الشخصيات في حلقة واحدة في هذه السهرة، لوزن هذه الشخصيات وربما يكون حالة ليالي رمضان عاملاً مساعداً آخر في تلبية هذه الدعوة، ولذلك أعتقدت أنا شخصياً أن تكون هذه الحلقة من أميز الحلقات، خاصة أن فكرة الحلقة المركزية كانت تريد مناقشة طبيعة البرامج الحوارية ومن هم مقدموها؟ وكيف تقدم وعلى أي منهج علمي ومهني تتكئ؟ وضوابط اختيار الضيوف، وعمليات الإعداد لمثل هذا النوع من البرامج؟ وما هي أوجه المقارنة بينها وبين البرامج الحوارية في القنوات العالمية، وأعتقد حتى الإذاعية أيضاً.

بدأت الحلقة لكن الأخ محمد محمود لم يوفق في إدارتها بالصورة التي كنت أتوقعها «أنا» وربما غيري من المشاهدين.. رغم قناعتي بأن الأخ محمد محمود، صاحب قدرات جيّدة في طرح السؤال وإبداء الفكرة ومواجهة الضيف بصورة لائقة، ورغم ذلك لم ينجح والأسباب أن الحلقة شهدت هرجاً ومرجاً غير موضوعي تسبب فيه الإخوة الضيوف «النجوم» أنفسهم، حيث كان بعضهم ينتزع الفرصة قبل أن تتاح له، وكان بعضهم يفعل أسوأ من ذلك عندما يقوم بمقاطعة أخيه أو أخته قبل تمام فكرة المتكلم، والأسوأ من ذلك كله حاول بعضهم إثارة حساسية فيما بينهم كانت أقرب ما تكون ردوداً شخصية على بعض، وليس تقديم فكرة مهنية وموضوعية عن كيف يقدم البرنامج الحواري؟ وكيف يلبي مقدمه حاجة المتلقي؟ لذلك تسبب الضيوف أنفسهم في أن تكون الحلقة بصراحة متواضعة جداً، ولو أحسنوا التقدير في أخذ الفرص والتأني والبعد عن الحساسية الزائدة لقدموا حلقة ممتازة، بل الأمر ذهب أبعد من ذلك، فبسبب التسرع والهرج تسببوا في ضرب مراكز التفكير عند مقدم الحلقة الذي هو الحكم الموجه لها من حيث توزيع الفرص وضبط الوقت والحرص على طرح أسئلة الحلقة، كما أعدت، ومنع الخروج عن موضوع الحلقة، ولذلك عجز الأخ محمد عن ضبط هذا الإيقاع لأن بعض ضيوفه كانوا «مشاغبين» ويمكن يستثنى من هذا التوصيف ومن باب الإنصاف الأخت ليمياء متوكل فقد كانت أكثر انضباطاً اضافة إلى خالد ساتي والزبير.

من الاخفاقات التي صاحبت الحلقة ـ أيضاً ـ انصراف ذهن الضيوف في مسألة الحوار إلى برامج الحوارات السياسية بصورة أكبر، وتجاهلوا أن الحوار يمكن أن يكون في إطار برنامج اجتماعي أو ثقافي أو أدبي أو فني أو اقتصادي أو حتى تاريخي وحضاري أو علمي، وهذه الفرضية الخاطئة جعلت كل واحد من الضيوف يغلق نفسه في محيطه الشخصي وتجربته الخاصة، وظهرت من وقت لآخر ملامح ميول سياسي وفكري بصورة خجولة كانت من وقت لآخر تحاول تذكي نقاط الحساسية بين أطراف الضيوف، بل كانت هناك ظاهرة أغرب من ذلك ما كان لها أن تسود أثناء الحوار وهي محاولة فرض شبه موقف أبوي من بعضهم، ومحاولة إظهار ندية من بعضهم الآخر، هذه الأسباب وغيرها ذهبت برونق الحلقة وحرمت المشاهد من متابعة أكثر موضوعية ونضجاً.

كنت ـ أيضاً ـ أرجو من الإخوة الضيوف، وهم خريجو إعلام وصحافة وتجارب طويلة أن يستدعوا شواهد واستدلالات علمية ومهنية لضبط إيقاع الحوار، ولكن الحلقة خلت من ذلك باستثناء نسرين النمر والطاهر حسن التوم وخالد ساتي.

الأستاذة سلمى سيد حبست نفسها في تكرار سؤال ما هي الاستقلالية كلما تهيأت لها فرصة، ولم تكن في يومها كما سبق لي أن شاهدتها تدير حواراً ناجحاً قبل أيام مع بعض رجال الإدارة الأهلية، لكنها أضافت أهمية أن يتمتع مقدم البرنامج الحواري بمهارات فردية، وهذه حقيقة مهمة جداً، وتساءلت هل هناك حرية كاملة، ولماذا لا توقف البرامج التلفزيونية كما توقف الصحف؟
نسرين النمر رأت أن مواصفات مقدم البرنامج الحواري أن يكون مواطناً من الدرجة الأولى، متفقة في هذه النقطة مع الفكرة التي قالها الزبير، ولكنها قالت ينبغي أن يكون المقدم مهنياً له معلومات تكشف الحقائق، وقالت إن المذيع أحياناً هو نفسه يكون «حارس البوابة» تشير في ذلك إلى نظرية في مجال الإعلام، وقالت إن مقدمي البرامج الحوارية يجتهدون في الحرية.

الطاهر حسن التوم أشار إلى أهمية توثيق المعلومات والدقة فيها حتى لا يواجه مقدم البرنامج إنكار الضيوف، وأشار إلى أهمية التحضير للحوار وأهمية المهارات الفردية، وقال «الحيادية» «وهم» وإنما المطلوب المهنية والاستقلالية، ولا يهم بعد ذلك الانتماء الفكري، وقال إن صفوية الديني أشد علينا من صفوية السياسي، وقال إن مشكلة حوار الفرد الواحد في البرنامج أن المذيع يمثل الغائب، وأعتقد أن الأخ الطاهر كان موفقاً في ما يتصل بقضية الحياد التي حتى الآن كثير من الإعلاميين والصحفيين غير قادرين على فهم دلالتها، ولذلك أنا أتفق معه في أن «الحياد» مفهوم سالب وخاطئ يضع الصحفي والإعلامي في ضغط لا طائل من ورائه، ولذلك يمكن أن نستعير «العدل» و«الصدق» مكان الحياد، واتفق مع الأخ الطاهر حول أهمية التوثيق والتدقيق حتى لا يكون الأمر بمعزل عن الموضوعية.

فيصل محمد صالح هو الآخر قال أنا لست مع الحياد، وأعتقد لا بد أن يكون مقدم الحوار ملماً بقضايا المواطن.
ليمياء متوكل قالت أن يكون مقدم البرنامج صادقاً وملتصقاً بهموم المواطن، وقالت المتلقي أذكى من المقدم وحصيف.. وهذه العبارة الأخيرة يبدو ليست دقيقة على نحو عام وهي أيضاً من العبارات التي يرددها البعض دون دراسة موضوعية، وأضافت ليمياء أن صناعة الرأي العام تحتاج لجهد، وهنا صدقت وأصابت صاحب برنامج «حلو الكلام» لأن الرأي العام الجاد تصنعه النخبة وليس عوام الناس.
واضافت سلمى سيد فكرة مهمة وهي قولها ينبغي أن يحس مقدم البرنامج بالأمان وأن يعامل كما يُعامل الصرافون في البنوك وهذا تشبيه رائع.

أحمد البلال الطيب أشار إلى أهمية شروط اختيار الضيوف وطريقة الاتصال بهم، وقال هناك مدارس كثيرة في طريقة الحوار، وتناول مسألة على من تسلط الكاميرا على المقدم أم على الضيف، أحمد البلاد كان رشيقاً وخفيفاً حاول فك الاشتباك أكثر من مرة، لكن بحكم قربه المكاني من مقدم الحلقة أخذ وقتاً أكثر للحديث، لكن أستاذ أحمد لم يوفق أن ينقل لنا تجربة أكثر من ثلاثين سنة في تقديم البرامج بالتلفزيون، وحاول في بعض الأوقات الدفاع عن نفسه من هجوم بعض الرسائل.

خالد ساتي أشار إلى أهمية توفر الجرأة في صفات مقدم البرنامج، وقال أنا من أنصار أن نترك الحكم للمشاهد، لأنه بكثرة وسائط الاتصال صار المواطن صحفياً، وأشار إلى قضية مهمة وهي أن بعض البرامج الحوارية هدفها تلميع الضيوف، وأعتقد أن حديث خالد عن توفر الجرأة حديث جيد، وقوله بترك الحكم للمشاهد يقيد بالمشاهد الناقد وليس كل مشاهد يمكنه التقييم، وقوله عن مسألة التلميع هذه حادثة وفي كل وسائط الاتصال إذاعة، تلفاز، صحافة ومنابر أخرى، وهذه واحدة من سلبيات بعض البرامج، لكن في تقديري الأخ خالد ساتي يملك مهارات لغوية وفكرية جيدة وله حضور متزن لحد كبير ويدرك معاني لغة الحوار.

الزبير كان متأدباً بأدب الحوار وتوزيع الفرص هو أكثر الضيوف ظلماً في توزيع الفرص في تقديري، لكنه قال من صفات المقدم ألا يتكلم كثيراً، وأن يحقق في معلوماته، وقال إن الحرية مطلوبة ولكن لها حدوداً، واعتقد جمل الزبير هذه صالحة لحد كبير، وقوله ينبغي ألا يتكلم كثيراً أرجو أن يتقيد بها الأخ عمر الجزلي في برنامج «أسماء في حياتنا» حتى تعم الفائدة.

الطاهر حسن التوم أضاف ـ أيضاً ـ أهمية تشجيع ثقافة الحوار وتعزيزها على خلفية حادث الاعتداء على عثمان ميرغني الذي جاءت فكرته في آخر الحلقة ولم يسعف الوقت الباقين على التعليق عليها.

وأخيراً كانت فكرة الحلقة جيدة كما ذكرت، وكنت أتوقع أن يقدم لنا هؤلاء الإخوة والأخوات المذكورون عصارات خبرات وتجارب ومواقف طريفة بمنهج علمي ومهني مستقاة من الخبرات العملية مضافاً إليها المنهج الأكاديمي النظري، لكن مقدمي البرامج «الضيوف» استهلكوا الوقت، وهو طويل في تفاصيل لا جدوى منها، وبخطفهم للفرص جعلوا مقدم الحلقة معزولاً ومتفرجاً وغير قادر على طرح الأسئلة بانتظام.

لم تعر الحلقة المقارنة ببرامج حوارية عالمية ناجحة مثل برنامجي نقطة حوار وحديث الساعة في القسم العربي لإذاعة وتلفزيون الـ «بي بي سي» وبرامج الاتجاه المعاكس وحديث الثورة والمشهد المصري في قناة الجزيرة، ولم تتم الإشارة بوضوح لأهمية إعداد الحوار بفريق عمل متجانس ومهاري فاعل، وضعف الامكانات الفنية والمالية لدعم البرامج، وأهمية ذلك تنبع من كون أن مقدمي هذه البرامج هم قادة رأي عام ويوجهون اتجاهات الرأي العام في الحياة.

٭ سيتم الرد بوثائق وشواهد على افتراءات أحمد المنصور في المقال القادم.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. [SIZE=4]قيل والله أعلم أن المذيعة ن_ ن مذيعة النيل الأزرق وكانت ضيفة في هذه الحلقة بأنها طيش دفعتها في الجامعة[/SIZE]