موت الضأن

تلمع شكوك بائنة في ذهن ضياء الدين بلال كلما جرحت عقله ظاهرة غريبة، قبل عيد الأضحى بثلاثة أيام زرته بمكتبه، وجدته محتارًا يقلب شكاً غامضاً، لكنه استبشر بقدومي..عسى أن أفك طلسم ما ارتابه ، حكى لي أن شقيقه جلال اصطحب صديقه لرحلة شاقة من الخرطوم “لألتي” في الجزيرة بغرض شراء خروفين تربيا تربية خاصة، وتلك هي الأضحية التي استطيبها أنا، فالضأن كلما كان خاصاً كلما اكتسب لحمه خصوصية، أذكر أن والدي عليه الرحمات الواسعات، كان “يفرز” حملاً “للضحية” قبل خمسة أشهر من موعد الفداء ليكون قبل نحره قد بلغ عاماً إلا أياماً، وذلك هو الخروف “الاستاندرد” لأنه يحتفظ ببكارته وعذريته فهو في هذه السن اليافعة لا يتمكن من الوطء، ولا يضر بلحم الضأن إلا هذا النشاط. سبحان ربك!!!.
حكى لي ضياء أن شقيقه جلال وصديقه اشتريا الخروفين من )التي(، ووضعا الخروفين في خلفية العربة، وانطلقا من الجزيرة نحو الخرطوم، لكنهما تفاجأ بموت الخروفين عند وصولهما باب المنزل!.
ارتاب ضياء ووضع احتمالات متعددة لموت الخروفين تنبع من تساؤله لماذا مات الاثنان ولم يمت واحد؟!.
قبل أن يتجه شك ضياء في اتجاه مؤامرة خارجية، أو خلايا نائمة، أو تواطؤ دولة عربية شقيقة، أو اتهام عناصر من الجبهة الثورية، وجدت نفسي أسأله هل سمعت “بموت الضان”؟ أجابني بنعم، فاستطردت أشرح له هذه المقولة في تجلياتها المتعلقة بطريقة “موت الضان” مستبعدًا أي اتهام لجهة سياسية مسجلة أو غير مسجلة وكانت تلك أول مرة أدافع فيها عن “الجبهة الثورية”! الضان يموت عادة بالجملة لذا اتخذت هذه المقولة “موت الضان” حيزها الذي ينحو نحو المثل الشعبي، ويموت الضأان بالجملة لأنه سريع الإصابة بالعدوى، فإذا أصاب فيروس حملاً غرًا في قطيع ممتد فلا محالة أن القطيع بأكمله سيكون بين يدى الله في أقل من يومين لذا يقال “موت الضأن” ودونك عنترة العبسي
في معلقته الشهيرة هل غادر الشعراء من متردم.
فيها اثنتان وأربعون حلوبة
سودُ كخافية الغراب الأسحم
أكثر أنواع العدوى فتكاً للضان هي تلك التي تسمى “أب نيني”، وذلك نحت صوتي لأنها تسبب الأنين للضان، و”الأنين البى ليه ماقدرو”!
الخطأ التكنيكي الذي وقع فيه جلال، هو أنه اشترى قبل ثلاثة أيام، في هذه الحالة كان حري بجلال أن يفحص أنف الخروف، فإذا كان سائلاً فذلك ما يعني أنه مصاب، وللعلم فإن أي نوع من أنواع العدوى التي تنتشر بين الضان تكون أعراضها سيلان الأنف، لأن أنف الضان هى أضعف حلقات منظومة جسده، تماماً مثل التعريف اللينيني للإمبريالية فهي “أعلى مراحل الرأسمالية وأضيق حلقاتها”!!.
عزائي لجلال ولصديقه، وأرجو أن أكون قد قدمت عرضاً يذوب شكوك ضياء الدين ويبدد ما أحاط بذهنه من ظلمة تقع في حيز نظرية المؤامرة.
[/JUSTIFY][/SIZE]
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني
