رأي ومقالات

خالد التجاني: بالمناسبة أين “المشروع الحضاري”؟

لا شيء أكثر إثارةً للحيرة والاستغراب من أن تعمد “ثورة الإنقاذ” لتناسي الاحتفاء بعيدها الفضي وتجنب التذكير به، على أي حال شكراً لمن يهمهم الأمر، فالرسالة وصلت واضحة للجميع فـ”الصمت سيّد الأدلة”، فقد كفونا مؤونة أن ننفق جهداً في تتبع سيرة خمسة وعشرين عاماً لتقييم مردود “المشروع السلطوي” للحركة الإسلامية السودانية على البلاد والعباد، التي استلبت الحكم في خواتيم ثمانينيات القرن الماضي لتنهي النظام الديمقراطي الثالث الذي تبوأت فيه موقعاً متقدماً بين الأحزاب الكبرى على الرغم من أنها نجت بأيام قلائل من أن تضبطها الانتفاضية الشعبية متلبسةً بالتحالف مع نظام شمولي آخر، منحها قُبلة الحياة حين انقلب عليها وزجّ قادتها في السجون في لحظاته الأخيرة.

شكراً لهم لأن جعلوا من ذكرى اليوبيل الفضي لثورة “المشروع الحضاري” يمر خامل الذكر، وكأن شيئاً ذو بال لم يحدث فيه يستحق الاحتفاء به، باعتراف أصحابه المنصرفين عنه، وذكرى مثل هذه برمزيتها ما علمنا أن نظاماً، مهما كان مصدر شرعيته، مرت عليه مثل هذه السنوات وهو في دست الحكم يتجاهل مجرد الإشارة إليها والاحتفاء بها، وكأنه يهرب من تاريخ لا يريد أن يتذكره، ويفترض أن ذلك كافياً لأن يجعل الناس ينسوه، وهيهات.

أليس مثيراً للسخرية أن “الحركة الإسلامية” التي جاءت إلى السلطة تغلّباً بالقوة بادعاء عريض شعاره “المشروع الحضاري” لا تجد واحداً من منظريها ومفكريها يجرؤ على كتابة سطر واحد تمجيداً وتبييناً لهذا “البعث الحضاري” الذي أنتجته بعد مسيرة ربع قرن في الحكم، ما لهم يتوارون خجلاً ولسان حالهم يقول: ليس لنا ما نقول فالواقع شاهد وأبلغ من أي محاولة لتزيين ما لا يمكن تزيينه. والدليل أن من يعيد قراءة البيان التي سوّغت به مبررات الانقلاب على مشروعية دستورية كانت جزءاً منها يحار إن كان كُتب قبل ربع قرن أم هو حيثيات لواقع اليوم المعاش.

الذين آثروا التشاغل عن الاحتفال الواجب بـ 30 يونيو أرادوا قطيعة مع “الشرعية الانقلابية” والبحث عن “شرعية مدنية” بديلة حاولوا أن يؤرخوا لها بـ”اتفاقية السلام الشامل” لولا أن جاءت نهايتها المفزعة التي مزّقت البلاد لتصبح أسوأ دلالة على “مردود” المشروع السلطوي للحركة الإسلامية التي كان الحفاظ على وحدة البلد في وجه الخطر الذي كانت تمثله الحركة الشعبية أحد أهم مبررّات استلابها للحكم من نظام منتخب شعبياً.

والخطاب موجه لـ”الحركيين الإسلاميين” بمللهم ونحلهم المختلفة المنقسمة على نفسها، لأن النظام هو صنيعة مشروع “الحركة الإسلامية” الذي عكفت عليه سنين عدداً وتعهدته بالميلاد والرعاية، وإن استمد شرعية الأمر الواقع من قوة المؤسسة العسكرية، فالانقلاب نفسه كان بدعاً ممن سبقه دبره ونفذّه التنظيم بقوته المدنية المسلحة ووفرّ لها غطاءً عسكرياً من خاصة منسوبيه من النظاميين، والأمر كذلك فهو ليس تحالفاً بين تنظيم انقلابي وعسكريين مغامرين، نحو ما عُرف عن سيرة النظاميين العسكريين السابقين، بل هو “نظام خالص” للحركة الإسلامية وهي التي تحكمّت في كل مساراته من التدبير الكامل للانقلاب إلى النشأة الأولى وتأسيس قواعد بنائه على أيدي أبنائها، وبالتالي تتحمل المسؤولية الكاملة عن مآلاته.

ما أهمية هذا الكلام؟ تأتي ضرورته لتحرير نسبة النظام للمشروع السياسي الذي أنتجه، صحيح أن نظام الإنقاذ أخذ منحى أنظمة العسكريتاريا الشمولية التي يعج بها العالم الثالث، ولكن ذلك لن يجعل منه نظاماً عسكرياً تقليدياً بالمعنى المتعارف عليه تصح احتكار نسبته للمؤسسة العسكرية، ولذلك فإن المرجعية التي يجب اعتمادها لتقييم التجربة هو “مشروع الحركة الإسلامية السياسي” لا يغني من الحق شيئاً إن قادت التقلبّات التي شهدتها مسار الأحداث لاحقاً لتنتهي بالسلطة محتكرة في أيدي قيادة عسكرية غالبة على مدنيي الحركة التابعين، فهذه نتيجة، وليست سبباً. نتيجة فكرة الحركة المؤسسة لـ”العقلية الشمولية” ومنهجها الذرائعي، فليس من المنطق أن تتوسل للوصول إلى السلطة بالبندقية ثم لا ترتضي الاحتكام لمنطقها.

ومناسبة هذا الحديث أن الكثير من “الحركيين الإسلاميين” باتوا يتبرأون من النظام القائم بدعوى أنه لا يمثل الحركة الإسلامية، ويدفعون بأن الحركة الإسلامية لم تحكم، وإن حكم البعض باسمها، ويذهب البعض إلى حد اتهام قادتها باختطافها منذ وقت مبكر وتجييرها لصالح مشروعاتهم السلطوية الخاصة، وكل تلك مجرد حيل للتنصل من تحمل تبعات “مشروع الحركة الإسلامية” التي صنعتها طبيعته “الاستبدادية”.

خالد التجاني–صحيفة التغيير

‫2 تعليقات

  1. كلنا شركاء و كل الذين هللوا وكبروا.
    ارجو ان لا نخجل من تاريخنا و لكن نقول هى خطوه فى الاتجاه الصحيح.
    اتجاه غايتوهى ان كل مواطن يعيش امن مفتخر بوطنو لا وصايه عليه يشعر بذاتو
    و يردد مع سيف الدين الدسوقى ( نحن قلب الدنيا ديه نحن عز الدنيا بينا تانى ما تقول انتهينا نحن يا دوب ابتدينا)

  2. انتو شنو الحكايه دي موضه جديده المشروع الحضاري فقعتونا بالكلمتين بتاعه المعارضه الأيام دي
    ايو في مشروع حضاري انت ما عايش في السودان خلي بالك عايش بره وماعارف الحاصل شنو عن السودان الهم الا عن اخبارو في الصحافه الصفراء الراكوبه وحريات والمهمشين والمشاطات ديل يا راجل ايوه في مشروع حضاري في مجال الاتصالات والتكنولوجيا انت الليله بتكلم اي زول في اي حته في السودان. في التطور في الأداء المصرفي كل البنوك فيها تعاملات زكيه في احدث مستوي عالمي الجامعات منتشرة في كل أنحا السودان الوعي الفردي بالنسبه السوداني حتي الطفل الصغير بقي حاضر وملم ما يحصل حولينو او حتي بعلمك كيف تستخدم الكمبيوتر كيف وحاجات تانيه النقله الحضاريه داخل المدن من مباني وكباري وطرق ربط بين الولايات ووو ده غير حاجات تاني كتيره وين الكلام ده قبل الإنقاذ فاكر لمن كنت تمشي الكبانيه عشان تكلم زول يا راجل ده بتسميهو شنو 4