اسحق احمد فضل الله

د. الطيب.. والخيول المنهكة


[JUSTIFY]
د. الطيب.. والخيول المنهكة

* المحقق: يا شيخ.. أنت متهم بسرقة كوز ذرة.
* المزارع: من جوعي.. يا بيه.
* المحقق/ لزميله: المتهم اعترف.. اكتب عندك أنه اعترف.
* المزارع: هو أنا كنت ناكر؟
* المحقق: يا شيخ.. حكمت عليك المحكمة بالغرامة خمسة قروش.
* المزارع: كنت أكلت بيهم (يعني لو كانت عنده).
*.. والحوار البسيط الصادق هذا = الذي يسوقه توفيق الحكيم = ما يجعله فريداً هو أن المحقق يقرر (ماذا.. وكيف حدث ما حدث؟).
* بينما المزارع يُقرر (لماذا حدث ما حدث؟).
*.. وكلمة (لماذا) في الزمان كله هي الجذور الحقيقية لكل إجابة.
(2)
*.. ودكتور الطيب زين العابدين أحد من يكتبون الآن عن مذكرة الثلاثين.
*.. والدكتور لا يقول (ماذا) حدث.. فكل أحدٍ يعرف ماذا حدث.
*.. ولا هو يقول (لماذا) حدث.. لأنه لا أحد = إلا القليل = يعرف لماذا حدث ما حدث.
*.. والدكتور المثقف يجعله السخط = أو يجعل كلماته التي لا تشبهه = طفلاً يدق الأرض بقدميه في غضب وهو يطلب.. ويطلب.. ويطلب.
(3)
*.. ومنطق مزارع توفيق الحكيم البسيط المدهش في كتابه هذا منطقٌ يُكمله كتابٌ معقد يصدر من ألمانيا قبل أعوام.
*.. و(جونتر جراس) في روايةٍ له يُشبِّه الأحداث بالبصلة لإثبات أن ما تراه عيوننا من الأحداث ليس هو الأحداث.
*.. والكاتب جراس يُحوِّل الفلسفة إلى شيءٍ ممتع وهو يُشير إلى أن (البصلة هي قشرة.. تُغطِّي قشرة.. تُغطِّي قشرة).
*.. والأحداث = يقول جراس وتقول الحقيقة = هي حدثٌ من تحته حدثٌ من تحته حدث.
*.. وأننا لا نرى الحدث الواحد إلا بعد أن نرى كل الطبقات تحته.
* لكن دكتور الطيب الذي يكتفي بالقشرة الأولى يجعل كلماته تدق الأرض بكعب الحذاء وهو يطلب ويطلب.. ويطلب ويطلب.
* الدكتور يطلب:
الحوار مع الحركات المتمرّدة.. ومع كل الأحزاب.
*.. وعام (2000) الأستاذ (ريقا) الكاتب المعروف يُحدِّث عن خطة عام 2000 تصنعها مخابراتٌ أجنبية لجرجرة السودان إلى محادثاتٍ لا تنتهي.. بعدها محادثات.. بعدها محادثات.. حتى يسقط السودان على فمه من الإرهاق.
*.. ونيفاشا تنطلق من هناك وتصنع ما تصنع.
*.. وتمرّد الغرب بعدها بعام.
*.. وصناعة الإرهاق حتى اليوم.
*.. والرجل = دكتور الطيب = الذي يطلب الحوار مع الحركات لو أنه نظر إلى قشرةٍ واحدةٍ تحته لوجد هناك زحاماً من المخابرات العالمية كلها يجعل من حركات التمرّد شيئاً لا يملك من أمر نفسه أكثر مما يملكه الخنجر من أمر نفسه.
(4)
*.. ودكتور الطيب يطلب دعوة جميع الأحزاب للتفاهم.
*.. والدكتور الذي يكتب سلسلةً من الحديث عن الأمر هذا لعله يكشف لماذا وكم مرة دُعيت الجهات هذه للحديث.. وكم مرةً رفضت.. حتى بعد القبول وكأنَّ شيئاً تحت الأرض هو ما يُديرها.
*.. وحديثٌ عن الوفاق الشامل يطلقه الدكتور دون كلمةٍ عن (الوفاق هذا.. على أي شيءٍ يقوم)؟؟؟
* الحديث عن اللقاء يجعل من يغرس عينيه في الطلب هذا يظن أنه يُجالس صاحب أبي حنيفة.
*.. وصاحب أبي حنيفة حين يترك أمتعته في الطريق ويُحذرونه من ضياعها يقول ببراءة..
: وهل يأخذ أحدٌ ما ليس له؟
(5)
*.. والحديث القديم عن الإصلاح.. وعن قشور الأحداث التي يُغطِّي بعضها بعضاً يقود إلى أغرب الحكايات.
*.. ومذكرات كبار قادة الاستخبارات الأمريكية القدامى تقول..
: إن من صنع ضربة بيرل هاربر (الضربة الجوية اليابانية للميناء الأمريكي.. والتي جعلت أمريكا تدخل الحرب) هي ضربةٌ من صناعة الرئيس الأمريكي نفسه.
* قالوا..
: إن الركود الاقتصادي يجعل روزفيلت يعرف أن الانهيار الاقتصادي المحتوم شيءٌ لا تنجو منه أمريكا إلا بدخول الحرب.
*.. وروزفيلت لا يدري كيف يقنع الشعب بدخول الحرب.. والحل يأتيه طائراً بأربعمائة جناح.
* روزفيلت كان يتلقَّى إشارة الهجوم الياباني قبل ساعاتٍ من وصول الطائرات.. لكنه يسكت.
*.. والطيران يضرب وأمريكا تدخل الحرب وصناعاتها الحربية تزدهر وأمريكا تنجو من انهيارٍ اقتصادي.
*.. والجدال بعدها يدور طويلاً حول صواب أو خطأ تصرُّف الرئيس روزفيلت.
*.. وبعض الحوار كان ذكياً وهو يُقدِّم فيلماً رائعاً جداً يُسمَّى (إنهم يقتلون الخيول).
*.. والفيلم يحكي قصة جهةٍ تُعلن عن مسابقةٍ للرقص أيام الأزمة الاقتصادية وجائزة يحصل عليها الزوج الأخير من الراقصين الذي يظل واقفاً بعد أن يسقط الآخرون كلهم.
*.. ومشاهد مُروِّعة للراقصين وهم يرتجفون ويتساقطون في اليوم الثالث وكلٌ منهم يكسر عنقه ليحصل على رزمةٍ من المال.
*.. وجين فوندا حين يسقط زميلها في الرقص تُطلق عليه الرصاص وتقول للشرطة..
: إنهم يقتلون الخيول حين تسقط.. أليس كذلك؟
*.. وحكاية روزفيلت نُعيد سردها شاهداً على أن كل حدث حتى ولو كان في حجم دخول أمريكا الحرب هو قشرةٌ من تحتها قشرة من تحتها قشرة.
*.. وأحداث السودان مثل ذلك.
*.. ودكتور الطيب وأمثاله يفقدون كل شيء حين تقف كتاباتهم عند مرحلة دق الأرض بكعوب الأحذية والصراخ في سخط.. الصراخ الذي يطلب ويطلب.
* مثل ذلك ما يصنعه دق الموائد بقبضات الأيدي من الجهة الأخرى والتهديد بالمحاكمة.
(6)
* الأمر كله يصلح حين يقوم الشباب بحشر كل قادة الوطن في الحوش وراء المطار والجلوس خلف الأبواب.
*.. وحصارٌ شامل يمنع كل أحدٍ من الخروج حتى يسبقه خروج (حل كامل شامل) من هناك.
* حل لأزمة الحكومة.
* أو حل لحكومة الأزمة.

[/JUSTIFY]

ولو بعد حين – صحيفة اليوم التالي