رئيس مجلس الحكماء
ما زال «عبدو» يحاول ضبط الكرافتة حول عنقه المتسور بياقة القميص الأبيض متأففاً كونه وسط مجموعة يريد أن يكون هو سيدهم لكنهم لا يتركون له إلى ذلك سبيلاً.. فكلما حاول أن يكون المتفلسف المتسيد سدوا عليه الأفق.. وهو كل صباح يعتزم أن يجعل من نفسه محور حديث الحي.. فقد فاتت عليه كل الفرص للركوب في القطارات العابرة للوظائف والمناصب وما تبقى له إلا الحواصة والتجوال داخل الحي.. بعد أن نادى بضرورة أن يكون للحي مجلس حكماء «أسوة بفشنكات الساسة» والغريب أن للحي بعض الرجالات الذين تستهويهم ذات الأفكار بعد أن انقطعوا عن دنيا العمل إما بسبب العمر والمعاش أو بسبب العطالة الممتدة، المهم في الأمر أن «عبدو» وجد فرصته في حدود وحوى الحي.. نصّب نفسه الحكيم واستلب السكان إرادتهم وتعمق أكثر في كل تفاصيل العائلات وصارت أنفه أكثر حساسية لاشتمام الأخبار داخل الغرف وتعدت حتى أسوار المحراب الخاص.. ولأن البعض مفتون بمحبة الأسرار واستشفاف ما وراء الحجب وطد مع «عبدو» علائق الإنكسار إما ناقلاً لهذه الأخبار أو مستلذاً بأكل لحوم الآخرين.. تشهد عليهم شجرة النيم التي اتخذوها مقراً للمجلس هذا.. بدأت حكمته المزعومة بالتصدي لقضايا الحي الواهية تتبعاً لسيرة فلان أو فلانة أو الطعن في نجاحات الناجحين بالحي.. وتظهر حكمته في عبارات من شاكلة «الزول دا قايل نفسو ود ناس كبار والاّ شنو كل يوم طالع فيها.. بالله حتة ولد مفعوص يشتري عربية والاّ يجيب جنس الجيب دا لأهله ونحنا قاعدين في الشجرة دي».. وعندما تزداد عنده وجماعته وتيرة الولوج في لب أسرار الناس.. وعندما تكون فريستهم أنثى فإنهم يقومون بتجريدها من قيم العفاف والطهارة ويوسمونها على أنها أسوأ من كل البشرية.. النسوة في الحي أصابنهن الرشاش.. وبدأن يتضجرن من مجلس «عبدو».. فكثير من الطلاقات وقعت بسبب مضغ السيرة وسبة ونميمة معاها تكفيرة واتسعت دائرة الأضرار التي يسببها «مجلس حكمة عبدو» حتى تحتم على غالبية أهل الحي ضرورة التصدي لهذه «الظاهرة الكونية».. واتخذوا قرارهم بتمرحل الحرب.. قطعوا الشجرة وصبوا الزيوت الراجعة على الظل أينما وجد في الحي.. أنقطع رأس «عبدو» فلا أحد حتى من خاصته يتجرأ بجعل بيته مقراً للنميمة والقطائع وإصابة السكان بالضرر.. وشددوا عليه الحصار بتخصيص خطبة الجمعة عن هذا المجلس «غير المبارك».. رغم أنه لا يملك بيتاً في ذلك «ملكاً حراً» لكنه يتمسك بالبقاء مؤجراً في ذات الحي لعله يجد وسيلة أخرى يقحم نفسه عبرها ويزيد تمسكه بتموضعه فيها.. ولأن الناس عرفوه وخبروه.. استحدث طريقة جديدة يعبر بها حيث تمسح بمسوح الدين.. فتلاحظ وجوده المكثف بالمسجد واستطالت دقنه وبدأت عليه دلائل «الشيطنة» وبدأ كأنه غيمة محملة ما معروفة تنزل وين.
٭ آخر الكلام:ما زال «شيخنا» يتلون ويتسحلب ولا يدري أهل الحي هل هو الورع الذي يصادف عمر التعقل أم أنه الهدوء الذي بعده عاصفة شديدة.. وهكذا يترقب أهل الحي «عبدو» في نسخته الجديدة بعد أن جرب رئاسة مجلس الحكمة.
[/JUSTIFY]
سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]