عبد اللطيف البوني

والحالة دي طيش حنتوب


[JUSTIFY]
والحالة دي طيش حنتوب

في عام 1972 وشركة شيفرون الأمريكية شمرت عن ساعد الجد لاكتشاف واستخراج وبيع البترول في السودان فوض الرئيس جعفر النميري وزير الصناعة الأستاذ القانوني بدر الدين سليمان بموجب قانون البترول لعام 1972 للتوقيع مع الشركة الأمريكية على عقد الشراكة وتحدد يوم الجمعة 12 / 10 / 1972 للتوقيع عقب صلاة الجمعة. قبيل التوقيع أبلغ النميري بدر الدين أنه غير مرتاح لعبارة اقتسام الإنتاج ويخشى أن تعطي معنى تساوي الأنصبة بين الشركاء بينما الاتفاقية المراد توقيعها تعطي السودان النصيب الأكبر، فطلب النميري من وزير الدولة برئاسة الجمهورية فيصل محمد عبد الرحمن الاتصال بالبروفيسور عبد الله الطيب ليبحث لهم عن كلمة مناسبة تشير لعدم تساوي الأنصبة بين الشركاء وبعد ساعة جاء الوزير ليخبره بأن البروف اختار كلمة قسمة عوضاً عن كلمة اقتسام لأن كلمة قسمة جاءت في القرآن الكريم مشيرة للأنصبة غير المتساوية، أورد الآية (وإذا حضر القسمة أولو القربى …. ) الآية، ومن ثم تعديل الاسم إلى اتفاقية الاستكشاف وقسمة الإنتاج ووقعت على هذا الأساس
هذا الكلام حكاه الأستاذ بدر الدين سليمان للأستاذ السر سيد أحمد في أكتوبر من عام 2011 ، وقد جاء في ص 22 من الكتاب الذي يحمل عنوان (سنوات النفط في السودان , رحلة البحث عن الشرعية والاستقرار ) لمؤلفه أستاذ السر سيد أحمد، ونحن هنا لسنا بصدد هذا الكتاب المرجعي القيم الذي بذل فيه أستاذنا السر جهداً عظيماً وأورد فيه معلومات في غاية الأهمية في أسلوب شيق كيف لا ؟ والأستاذ السر ظل يحمل القلم لعشرات السنين يقدم للقارئ عصارة فكر ثاقب وعقل منقب في البترول وفي غيره
جذبتني الجزئية الوارد أعلاه لأنها كشفت لي أن النميري الذي حكم السودان لمدة 16 سنة حكماً شبه فردي لم يكن كما كنا نظن ونهتف أيام الطلبة (لن يحكمنا طيش حنتوب ) فالنميري في مخيلة جيلنا مثال لحاكم الصدفة البلطجي خاوي الذهن مفتول العضلات يسيره هواه عن طريق المتحلقين حوله (يوم في أقصى اليسار ويوم في أقصى اليمين ويوم بلا اتجاه) كما جاء في بيان الرائد هاشم العطا وهو ينقلب على نميري في 19 يوليو 1971 فما أورده أستاذ السر في كتابه أعلاه يكشف أن النميري رجل دولة دقيق الملاحظة يقدر أهل العلم، حريص على حقوق شعبه وفي نفس الوقت توضح الحكاية أمانة وموضوعية الأستاذ بد الدين سليمان الذي أثبت الواقعة وما فيها من شهادة للنميري بعد رحيله، وقد تكون على حساب دقة بدر الدين المكلف بالتوقيع نيابة عن السودان، وكان يمكن أن لا ترد دون أن تخل بقصة التعاقد وكان يمكن للأستاذ السر أن يهملها دون أن تؤثر على قيمة كتابه ولكنه أوردها بحسه الصحفي العالي
قد نجانب الموضوعية بعض الشيء إذا حكمنا على كل فترة نميري أو على النميري كرئيس من خلال واقعة واحدة ولكننا هنا يمكن أن نعضدها بالكتاب الذي أصدره صديقنا الأستاذ محمد الشيخ حسين عن جعفر النميري والذي حاول فيه إنصافه مما علق بذهنه ذهن محمد – عنه جراء الأدبيات العقائدية المناوئة للنميري من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار وأفلح محمد في ذلك
ما قدمناه أعلاه مجرد (قيدومة) لهذا السفر القيم ولنا له عودة إن شاء الله، فهذا الكتاب من حيث قيمته التوثيقية أضعه مع كتاب ارثر جيتسكل (مشروع الجزيرة قصة تنمية ) وكتاب البروفيسور سعد الدين فوزي (الحراك العمالي في السودان ) وكلاهما باللغة الانجليزية فتاريخ السودان الاقتصادي مازال بكراً ورحم الله أستاذنا البروف محمد سعيد القدال.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]


تعليق واحد

  1. ولم ترتاحوا وتهبطوا في الواطة إلا بعد أن خلعتم الرجل .

    وهكذا سيظل الحال : حكم عسكري مرفوض ….أو ديموقراطية فوضوية مصلحية لجهة واحدة فقط …والحاكمون الآن مصلحيتهم متفرقة في اتجاهات متعددة
    أما إخوانهم فقد ابتعدوا وتركوها

    أنا عليك يابلد موجوع

    وجعا في القلب مزروع

    واقف في الطريق مقطوع

    لاقادر تمش
    وصعب عليك تاني الرجوع