الشيخ يوسف القرضاوي: التطهر من الذنوب
خلق الله الإنسان ضعيفًا، لا ينفك عن الخطأ أو التقصير أو النسيان أو العصيان، ومن رحمته سبحانه وتعالى بعباده الضعفاء، أن فتح لهم باب التوبة، والإنابة إليه، {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}(الزمر:53-54)، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} (النساء:27). وحفل القرآن الكريم بذِكر التوبة والاستغفار في آيات عديدة، وسور مختلفة، فاتحًا باب الأمل أمام المذنبين، في قبول التوبة، وغفران الذنوب، بل وإبدالها حسنات؛ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان:70).
وأمر سبحانه عباده بالتوبة فقال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور:31)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (التحريم:8).
كما أخبر سبحانه أنه يتقبل التوبة من عباده، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(الشورى:25). ما لم تبلغ الروح الحلقوم، ففي الحديث “إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر”، رواه الترمذي، وقال: حسن غريب. وحسنه الألباني. أو تطلع الشمس من مغربها، لحديث: “مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ” رواه مسلم.
والذنوب في الإسلام درجات، بعضها صغائر، وبعضها كبائر، ولكل حُكمه ودرجته.
فالكبائر لا تكفرها إلا التوبة النصوح، فمتى وقعت التوبة مستكملة شروطها من: الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب في الحال، والعزم على عدم العود إلى الذنب. فإنها تمحو الذنب قبلها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”، رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
فإذا كان الذنب في حق من حقوق الله وتاب منه، قُبلت توبته المستوفية للشروط وفي الحال. وإذا كان الذنب في حق عبد من عباد الله، بأن أكل ماله، أو أخطأ في حقه، فلا تكون التوبة إلا برد المظالم إلى أهلها، أو بالتحلل منها. فإن لم يُمكن فليكثر الدعاء لهم، والصدقة عنهم، لعلهم يصفحون عنه يوم الحساب، “من كانت له مظلمة لأحد – من عرضه أو شيء- فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم” رواه البخاري.
أما الصغائر فتكفرها الطاعات، مثل: الوضوء، والصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان وقيامه، وإيتاء الزكاة والصدقات، والحج والعمرة، وكل عمل من أعمال الخير. والأدلة على ذلك كثيرة، منها: قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:114]. وفي صحيح مسلم: “من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره”، وفي مسلم أيضًا: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات”؟ قالوا : “بلى يا رسول الله”. قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط”، وفي مسلم أيضًا ” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ”. وفي الصحيحين: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما”، وفيهما أيضا: “من حج لله فلم يرفث ، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”. وعند الترمذي : ” الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار” صححه الألباني. وفي مسلم: ” من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر”.
بل إن مجرد اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}(النساء:31).
وعلى هذا نوصيك أخي الحبيب بما يكفر الذنوب، ويطهر منها: ومن هذه المكفرات:
1- التوبة النصوح، فإنها تغسل الإنسان من الذنوب، كما يغسل الماء الدَّرَن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222).
2- الاستغفار، بصيغه المختلفة التي وردت في القرآن والسنة، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}(النساء:110).
3- الأعمال الصالحة: من الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، وفعل الخير، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود:114) وقال صلى الله عليه وسلم: “وأتبع السيئة الحسنة تمحها”.
نسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يجعلها نصوحا، وأن يكتبنا وإياك في عباده الصالحي.
الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
ت.أ