منوعات

مدن قيد الاحتضار .. تلف خصرها بالنفايات

[JUSTIFY] “كل المدن السودانية زرتها حتى مدينة سنجة (الوسخانة)” هذا جزء من حوار أجرته قناة فضائية معروفة قبل عدة سنوات مع رجل أمريكي يدعي مستر( براون) زار السودان، وتجول في كل مدنه وحضره، حتى بلغ مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، فقضى بها ليلة في ضيافة أحد أساتذة اللغة الإنجليزية، وعندما ودعه مضيفه على سلم سيارته لم يرتسم على وجه (الأمريكي) شيئاً، غير علامات الدهشة والتعجب، بسبب تدهور خدمات إصحاح البيئة بالمدينة التي كانت إلى عهد ليس بالبعيد، توصف بأنها مركز الثقافة والتنوير بإقليم النيل الأزرق قبل شطرها إلى ولايتين (سنار والنيل الأزرق). وسنجة اليوم رغم تاريخها الضارب، لم يكن نعتها (بالوسخانة) قدحاً فيها، وإنما وصفاً حقيقياً يطابق الواقع وقع الحافر على الحافر ولا يتجاوزه البتة.

مدينة التُرك!!

قبل أكثر من مائتي عام تقريباً، نالت مدينة سنجة بحسب روايات تاريخية متعددة مكانة سامية لدى (محمد علي باشا) الذي أوفد جيوشه للقضاء على آخر ملوك دولة السلطنة الزرقاء، ضمن مشروعه التوسعي لفتح السودان، وتؤكد الروايات التاريخية المتناثرة بين المخطوطات المكتوبة والشفاهية، أن الأتراك عندما دانت لهم سلطة الحكم في السلطنة اتخذوا سنجة مركزاً لانطلاق حملاتهم جنوباً وغرباً لتأديب القبائل التي حاولت الخروج عن سلطانهم، وكذلك انطلقت منها الحملات العسكرية لاصطياد الرقيق من مناطق كردفان وجبال النوبة ومناطق الشلك بجنوب السودان. بسبب هذه الأهمية التي أولاها الأتراك لها نالت سنجة قدح السبق في التعمير، حيث تؤكد روايات عديدة أنها شهدت أول مبان حديثة في المنطقة وعرف سكانها نظام خدمات إصحاح البيئة والتعليم والصحة العامة وتنقية مياه الشرب، كما عرفت سنجة منذ عهد مبكر مرافق الترفيه كالحدائق العامة والأندية الثقافية والمكتبات.

العودة من حيث البدء

لا غرابة أن تعود الأشياء القهقرى، في معظم مدن السودان التي كانت إلى وقت ليس بالبعيد تبدو مدناً حقيقية ترفل في رداء المستعمر الذي دثرها به، ولكنها عادت بخطى حثيثة إلى ما قبل حقبة الاستعمار، فخلعت ثوب مدنيتها وارتدت ثياب القرى، فصار الفرق بين القرية النائية والمدينة العريقة يبدو هامشياً يمكن غض الطرف عنه، وهكذا عادت سنجة إلى حيث بدأت قبل أكثر من مائة عام، فتدهورت فيها كل أنواع الخدمات، حتى أشرفت على التلاشي، كما في قطاع صحة البيئة التي اندثرت سمعتها واضمحل بريقها، بسبب وقوعها خارج دائرة الاهتمام الرسمي الذي لم يولها أقل ما تستحق بحسب إفادات سكانها المدينة الذي عندما لم يجدوا مجيباً لشكواهم، التجأوا إلى مجهوداتهم الفردية، فنهضت مبادرات من مجموعات صغيرة كما فعلت نساء الحي الجنوبي (أ) اللائي وضعن نظافة الحي بأكمله ضمن أجندتهن اليومية، فثبتن أربعة أيام في الشهر لحملات النظافة على حد تأكيد (غادة برعي محمد زين) التي تعمل مدير لشؤون العاملين بمحلية سنجة، ولكنها ظلت تقتطع يوماً من أيام عملها الرسمي للمشاركة في نظافة الحي بجانب جارتها (بر الفؤاد محمد علي) و(سوزان عبد العزيز علي) و(نوال أحمدالزين).

مقام السلطات الرسمية!!

عندما أصبحت خدمات صحة البيئة بمدينة سنجة محل تندر كما فعلها مستر (براون) الذي جلبت إفادته تلك مئات التعليقات الساخرة على موقع اليوتيوب على الإنترنيت، كانت مبادرة نساء الحي الجنوبي (أ) هي المنقذ الوحيد من ذلك التردي البيئي الذي اتجه ليصبح أشهر سمات المدينة، التي كانت إلى وقت قريب تتميز بأنها مدينة الجمال والخضرة لموقعها الذي يجعل النيل يحتضنها بمودة على مدى أشهر العام، فتجمعت النسوة الخمس تقريباً وعقدن حلفاً قررن خلاله القيام بنظافة الحي كله في الشهر أربع مرات بمعاونة بعض نساء الحي الأخريات وبعض الشباب، حيث تشير (بر الفؤاد) إلى أن مبادرتهن محصورة مبدئياً على الحي، ولكنهن لا يمانعن في تعميمها على المدينة بأكملها، إذا وجدن المساندة، لأنهن في الوقت الحالي يبذلن مجهوداً يفوق طاقتهن لنظافة حيهن فقط، لأنهن يخرجن من بيوتهن في الصباح ولا يفرغن من الحملة إلا في نهاية اليوم.

وليس بعيداً عما طرحته (بر الفؤاد) يبيّن (هيثم هجو) أحد سكان الحي الجنوبي (أ) وجار للنساء المشرفات على مشروع نظافة الحي أن هؤلاء النسوة لجأن لفكرة نظافة الحي بأنفسهن بعد أن أصبح منظر الحي كمنظر المدينة كلها التي منيت بتردٍّ بيئي يفوق التصور والمنطق في الفترة الأخيرة، وهذا جعل سلطات محلية سنجة عاجزة عن القيام بدورها في إصحاح البيئة ومعالجة القصور

محمد عبد الباقي: صحيفة اليوم التالي
ي.ع [/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. وينك يا احمد عباس والي سنار المنتخب فترة اخري لسنار الدعائة الانتخابية المرة دي شنو توفير الخدمات