منصور الصويم

حتى أنت يا تنقورة

[JUSTIFY]
حتى أنت يا تنقورة

يحكى أن مدينة من مدن السودان (الكبير)، ضمت في فترة من فترات ازدهار الخدمة المدنية، مجموعة متنوعة وطيبة من الموظفين الذين يمثلون مختلف مدن وقرى وأرياف السودان، بسحناتهم المختلفة وثقافاتهم المتنوعة ولغاتهم المتعددة، مما مثل انصهاراً حقيقياً لهذا السودان (الكبير). المهم، كان من بين هذه المجموعة رجل اسمه (تنقورة)، وكان أشهر أعضاء مجموعته وسط المدينة (الولائية)، لطرافته وخفة دمه و(غرائبيته) التي تجعل منه شخصاً جاذباً ومحبوباً، خاصة أنه كان من أنصار (القعدات) و(الحفلات الليلة) وكل أشكال وأنواع اللهو الذي يخلو أحيانا من (سكرات طايرة) وضربات (قمارية) قاتلة.

قال الراوي: نترك (تنقورة) قليلاً ونسترجع قصة يوليوس قيصر الذي اغتيل من قبل مستشاريه وأنصاره بعد أن تآمروا عليه رغم المجد الذي تحقق في فترة حكمه. قصة مقتل يوليوس قيصر ارتبطت بأعظم الأعمال المسرحية للكاتب الإنجليزي شكسيبر، الذي استخدم القصة المأساوية في واحدة من أجمل وأعظم مسرحياته (يوليوس قيصر)، إلا أن ما يهمنا هنا جملة قالها (القيصر) وهو (يموت) فسارت مثلاً، وذلك حين اكتشافه أن من بين قاتليه أقرب الناس إلى نفسه الذي يكاد ينزله منزلة الابن (بروتس)، فقال (القيصر) القتيل: حتى أنت يا بروتس؟

قال الراوي: نعود إلى (تنقورة) وأمسياته الملونة (الملعلعة) التي دفعته للبقاء في تلك المدينة (المتحررة) نسبياً رغم التغيرات (العنيفة) التي طالت (السلط)، التي حرمت كل نشاطات (تنقورة) الأثيرة إلى نفسه، مكث صديقنا (تنقورة) في تلك المدينة قرابة العقدين، متحايلاً على كل أوامر النقل، (مستمتعاً) بـ(قعداته) وأمسيات (قماره) التي لا تنتهي، حتى صار الرمز الأول لمحبي المجون و(التخلع) والبهجة الليلية اليومية، التي لا تنفد.

قال الراوي: رغم تقدم سنه لم يتزوج (تنقورة)، رغم تقدم سنه لم يرعو (تنقورة)، رغم تقدم سنه صار المنسق الأول لكل ليالي (الفرح غير البريء)، والمندوب الدائم لـ(الشيطان) بالمدينة، كما أخذ يشيع بعض أنصار (الحلال والتدين والأمر بالمعروف) من الموظفين والشباب الجدد.. لكن وبرغم الحصار صمد (تنقورة) مندوب (الشيطان).. فجأة ودون مقدمات أعلن (تنقورة) التوبة والعودة إلى الديار، ومن ثم السفر صوب الأراضي المقدسة (للحج) وطلب الغفران.

ختم الراوي؛ قال: بينما (تنقورة) يرمي الجمرات أحس (الشيطان) بأن هناك من يرميه (بحرقة شديدة) وبتسديدات متقنة، فتمايل وتحايل وانسرب في سرعة (أدهم صبرية كسر/ الثانية)، وكان أمام (تنقورة)..

استدرك الراوي؛ قال: بهت الشيطان وحزن وقال: حتى أنت يا (تنقورة)؟

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي