من يجرؤ على الصمت؟!
والسيد الوزير كمال عبد اللطيف وزير المعادن وصاحب أكبر سجل (علاقات عامة) مع الصحفيين، يصطحب في كل زيارة له لمناطق التعدين بولاية نهر النيل عدداً من أصدقائه الصحفيين ليس من بينهم أبناء المنطقة من الإعلاميين.
*وبتطلعنا لهذه (الرفقة الذهبية)، التي بطبيعة الرحلة ليست وجهتها ماليزيا أو الصين، وإنما لتلك الصحاري والضهاري لا نبتغي الاستمتاع بالرحلة ولا بمسلتزماتها، ولكننا على الأقل الأعرف (بظروف) وأحوال وتعقيدات منطقتنا، وبإمكاننا أن ننتج بعض الملاحظات والحلول والمشاركات المفيدة.
*في إحدى رحلاتي الخاصة على متن بصات التوحيد، وليس على متن (طائرات الفوكر الذهبية)، لاحظت قبل أكثر من عام، أن مدينة العبيدية في نسختها الذهبية الجديدة وبرغم تدفق عشرات الآلاف من المعدنين التقليديين وغير التقليديين من الأجانب والوافدين، لازالت تُحرس وتُدار أمنياً (بنقطة شرطة) لا يزيد عدد أفرادها عن سبعة شرطيين وعربة واحدة، وقرعت يومئذ ناقوس الخطر ولاسيما أن المنطقة قد روِّعت خلال الفترة الفائتة بأحداث قتل ونهب مروعة لم تكن في أسلافنا، حيث لم يسجل تاريخها الحافل إلا صولات وبطولات على مصاف (سمحة الملكة فوق مختار..).
رصدت يومئذ طلائع وبوادر (ملثمين ورباعيات)، جابت تلك العتامير ما بين أبو حمد والعبيدية، على افتراض أن سماسرة حرب ربما كانوا بصدد البحث عن متعهدين ومقاولين لفتح (جبهة جديدة) وفرع لحركات دارفور المسلحة في هذه المنطقة الآمن أهلها!
ثم تواترت الأخبار من فترة لأخرى بتسجيل خروقات أمنية وحكومة الجنرال الهادي عبدالله تستعصم بدامر المجذوب، أذكر أني قد كتبت يومها مخاطباً السيد الوالي بإمكان الجماهير أن تغفر لكم التدني الصحي الذي يلازم أكبر مستشفيات الولاية مستشفى عطبرة وغيرها، وبإمكان المواطنين أن يجدوا لكم عذراً في التراجع الزراعي، لأنك لم تتخرج في كليات الزراعة، ولكن أن يتم الاختراق في عقر مهنتكم الأمنية، فهذا ما لا يغتفر ولا ينسى أبداً.
*أكتب هذا المقال على أثر وتحت ضغط الأحداث التي تشهدها مدينة أبو حمد في هذه الأيام، والأزمة برمتها لم تنحصر في تلك الهجمة البربرية على إحدى طالبات المدرسة الثانوية، ولكن هذه الحادثة التي تحمل طابع وطبائع مجتمعات مسلحة أخرى خربت ديارها، وتأتي لتخرب ديارنا، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. والتي أرقت مضاجع الكثيرين من الأهالي وأبناء المنطقة في المهاجر والمدن والأمصار.
*وليعلم الجميع في الحكومة المركزية ووزارة المعادن والحكومات المحلية أن الذي هو أغلى من الذهب وأعظم من كل عائداته الدولارية هو الأمن ولا شيء غير الأمن، وبإمكانكم أن تنظروا في تراجيديا أحداث إقليم دارفور المضطرب فلو أنفقتم ما في الأرض جميعاً لإعادة دارفور لسيرتها الأولى لما أفلحتم في ذك.
*تحتاج هذه المنطقة بأسرع ما يمكن إلى (خطة أمنية كاملة) ترسم هنا المركز وتنزل بإمكانات مادية معتبرة إلى الولاية والمنطقة، فلايعقل أن سوق العبيدية على سبيل المثال الذي تتداول فيه يوماً حزمة مليارات ومجموعة من كيلوهات الذهب يحرس، ويدار أمنياً بسبعة أفراد شرطة وعربة متهالكة أو غير متهالكة.
*أرجو ألا نستيقظ ذات يوم حزين مطالبين بأن تأخذ الحكومة ذهبها وتترك لنا أمننا، الذهب مقابل الأمن، علماً بأن المنطقة لم تستفد من هذه (الثروة العابرة) كما يجب، بل لازالت ترزح تحت وطأة مخلفات صناعتها وأرتال وفضلات بشريتها الصحية والاجتماعية.
*مخرج..
لا نستنكف أن تخرج من هذه المنطقة أطنان من الذهب لإنقاذ اقتصاد البلاد، لكن في المقابل يجب أن تستقطع منه بعض الدراهم لخدمة الصحة والأمن والخدمات الأخرى.
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي