أبشر الماحي الصائم

دولة خير الخطاءين


[JUSTIFY]
دولة خير الخطاءين

*في لقاء صحي مميز أحسنت الزميلة صباح موسى توقيته وأسئلته، وضع حكيم (الحركة الإسلامية السودانية) الشيخ الدكتور عبد الرحيم علي نقاط الأزمة فوق حروفها المتأرجحة.

* وقد أطربتني جدا واقعية الرجل ومصداقته في مواجهة الواقع وتسمية الأحداث والأمور بمسمياتها، وهم يومئذ يتدارون خلف الجمل الفضفاضة والعبارات المبهمة.

* وفي إجابته القاطعة عن تساؤل الزميلة صباح إن كانت الحركة الأسلامية قد حادت عن مبادئها؟ قال الدكتور: من ميزات الحركة الإسلامية السودانية واقعيتها، وبهذه الثقافة الواقعية استطاعت أن تستمر فترة أطول، وهي لا تتعامل مع واقع مثالي، وبالتالي هي ليست مثالية ولا مثالا، ولم تكن مثالية في الحكم، فنحن دولة فقيرة ولها كثير من الإشكالات، ونحاط بمحيط عربي وأفريقي غير متجانس، فتقاطعت توجهاتنا وأفكارنا مع عالم يود أن يفرض رؤيته في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، فترتب على ذلك حروبات واضطرابات أمنية ومن الصعب الحديث عن نهضة اقتصادية في ظل هذه الظروف.

* فالحركة الإسلامية لا تحكم السودان الآن، فقد تشكل حزب مؤتمر وطني كبير يجمع قبائل وكيانات دينية وشخصيات اعتبارية، فضلا عمن تساقط من الأحزاب السياسية من تقليديين ويساريين وقوميين وعروبيين، وإن كان هناك بعض رموز الإسلاميين في مفاصل الحزب، إلا أن هذا التدافع والتدافع أحدث تطوراً وتحولاً على أن الفكر الإسلامي غير جامد ويتفاعل مع الآخرين.

* والحديث الآن لمؤسسة الملاذات، الجناح الفكري، لازلت أذكر حديثاً للشهيد عبد السلام سليمان بأن صورة الدورة الإسلامية التي يحملها السودانيون في دواخلهم لا يمكن تنزيلها على أرض الواقع في هذا الزمان، ويمضي الرجل الشهيد في الحديث، إذا كان تصور الشيوعيين السودانيين لهذه الدولة (أن يرقد الرئيس البشير تحت شجرة كما رقد الخليفة العدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فكيف يكون تصور الآخرين الذين لا تشبع رغبات أشواقهم وتطلعاتهم عملية رقاد البشير تحت أي شجرة، والرجل البشير -والحديث لمؤسسة الملاذات – يمشي في الأسواق ويأكل الطعام ويتوافر في خيم الأفراح والأتراح .

* ولك ساعتئذ عزيزي القارئ أن تُعتقل بين (مثالية اليسار) وواقعية البروف عبد الرحيم علي.

* برغم أن بعضهم يزعم بأن اليسار فهو يطلب دائما المثال، إنما يسعى من وراء ذلك إلى افشال التجربة برمتها على أن الإسلام ليس هو الحل كما لو أنهم أولئك النفر الذين قالوا فيهم القرآن “وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا” (الآيات من سورة الإسراء).

* على أي حال يفترض أن يتواضع الإسلاميون كما تواضع البروف عبد الرحيم علي بأن الطريق إلى دولة (العدل والكفاية والرفاهية) طويل وقد يطول. إن هذه الأطروحة التي صعدت إلى منبر السلطة في لحظة تاريخية خارقة قد قدمت بعض الشهداء والاجتهادات والخطوط العريضة، وفي المقابل قد اعترتها كثير من الصعوبات تساقطت بعض طواقمها وكوادرها في محطات مختلفة، ويبقى آخرون يكابرون كما عبد الرحيم علي ويعترفون بأن دولتهم هي (دولة خير الخطاءين) تتجاذبها كثير من الأمواج والأهوال في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج وسحاب بعضها فوق بعض..

* إنها عزيزي عبد الرحيم علي دولة المؤتمر الوطني بكل فعاليته وتشكيلاته المتقاطعة أحياناً، وليست (دولة الحركة الإسلامية)، إنه الواقع بكل مراراته وتطلعاته وتقاطعاته.

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي