داليا الياس

من الحنين إلى “البنزين”

[JUSTIFY]
من الحنين إلى “البنزين”

اللقاء بين الرجل والمرأة هو لقاء أزلي كان آدم وحواء هما أول من خاضا غماره بغض النظر عن المتسبب في النزول إلى الأرض!! ومن ثم تواصلت العلاقات بين الطرفين إلى يومنا هذا ولكن مع اختلاف المكان والزمان وأدواتهما تطورت العلاقة تطورا مذهلا حتى وصلنا إلى شكل العلاقة القائم الآن في عالمنا المعاصر ولنأخذ السودان كمثال ففي فترة (الحقيبة) كما سميت لم تكن المرأة متاحة ولو على سبيل النظر، فكان طبيعيا أن يتألق الخيال في نسج الحكايا والرؤى، لذلك جاءت أغنيات هذه الحقبة بهذا الألق والجمال، فالحاجة ام الاختراع، فكانت مجرد لفتة لاحداهن عن طريق الصدفة كفيله بأن تعطينا (أقيس محاسنك بمن.. يالدرة الماليك تمن). وآخر يتجلى ويبدع قائلا: (لي طيفك ما لقيت وسائل غير بسط النسمات رسايل).. أغرب شيء وأعجب مسائل حلم الصاحي ودمعة سايل (هسة لو الكتب الكلام ده كان عندو موبايل هل كان من الممكن أن يعبر بكل هذا البهاء).. لا أظن ذلك فرسالة نصية واحدة كانت كفيلة بنسف الفكرة.. ما بالك إذا كانت SMS .
*المهم تطور الحال وأصبح اللقاء بين الطرفين أكثر يسرا ففقدت المرأة بعضا من سحرها وغموضها فقلت درجة التأثير وبدأت جذوة الإلهام في الخفوت، ورغم ذلك فقد تعذر الاتصال، فكانت بنت الجيران صاحبة الحظوة من تدفق المشاعر بحكم القرب الجغرافي وإمكانية النظر واللقاء ولكن المحاذير الأخلاقية والعرفية كانت تمنع الاقتراب والتصوير فظهرت أغنيات ذى ياقلبى المكتول كمد.. جارتنا وبت حارتنا وبنريده.. وأحلى جاره يا أحلى جارة عطرت كل الحي وانت مارة ووحدها الإشارات والعيون كانت هي التي تتحدث وتتصل، فكان للعاطفة سحرها وللحب بريقه مع ظهور كل أعراضه.. خفقان خفيف فى القلب.. تعرق فى اليدين.. ارتباك في الحديث إذا قدر لهما أن يلتقيا خلسة أمام منزلها حتى ولو كان السؤال عادياً كان تخاطبها قائلا.. (الليلة وين ناس البيت شايف شبابيكم مقفلة).. ويا ويلك وسواد ليلك في ذلك اليوم إذا أحسست فقط بأنها أمعنت فيك النظر قليلا (يعني جريت نور طويل)، فذلك كفيل بأن يجعلك تقيم ليلتك هائما ساهرا.. هسه تساهر معاها في الحفلة للصباح وتجي تنوم نوم أهل الكهف.. وتقوم تحضر نشرة أخبار كلها تفجيرات وفيلم أجنبي (أكشن) فكان طبيعيا أن يكتب الشاعر ويغني المغني.. قنبلة حلات الزول في الطول والعلا… واضربني بمدسدسك أملاني أنا رصاص.. لندخل مرحلة المشاعر (المسلح)…
*وتطور الحال بعد هذه المرحلة وتوسعت أبواب التعليم وفتحت الجامعات أبوابها وكان ثمة لقاء آخر مختلف بين الطرفين حدث فيه شيء من التوجس وجس النبض بين الفريقين.. مجموعة من النساء قادرات على التواصل وتحليل شخصيتك إذا استدعى الأمر مع ندية علميه وتفوق نسائي في بعض الأحيان.. وأجواء جديدة لتشكيل الذات، فخبا بريق الغناء العاطفي نوعا ما وكان أبوعركي.. ومصطفى سيد أحمد.. وعقد الجلاد وأصبحت العلاقة بين الطرفين فيها شيء من الاستقطاب السياسي والفكري لذلك جاء (كيس الجامعة) بهذا الفهم، فكان الحب نفسه يخضع للنقاش والتحليل فتواصل نزيف الفقد للمشاعر الجياشة والعاطفة الصادقة، وفقد الحب كثيرا من النقاط، انعكس ذلك على التعبير الشعري.
ليتواصل تطور المكان والزمان وتنزل المرأة إلى ساحة العمل ويصبح اللقاء أكثر قربا وبدأ التقارب الفكري والنفسي بين الطرفين.. المرأة تريد أن تثبت حضورها وتفوقها والرجل لا يزال يبحث عن نصفه الآخر بشرط أن لا يكون بهذه الدرجة من الندية والحضور، فبدا نوع من النفور ينشأ بين الطرفين وسط محاولات إثبات الذات.
ثم حدثت انتكاسة أخرى بضيق ذات اليد وقلة الفرص مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية، فانشغل الرجل بالبحث عن العمل، وكافحت المرأة من أجل البقاء، فظهرت أغنيات اقتصادية تمجد المال وصاحبه ومع ركاكة الفكرة كانت ضحالة المنتج، فكان من الطبيعي أن نسمع أغنيات تمجد السيارة أكثر من صاحبها (عربتك الكامري) وتطورت الأغنية مع تطور الموديلات ووصلت حتى (الهمر) وتدحرجت المشاعر والعواطف من الحنين إلى البنزين واختلت الموازين.. وغلبت لغة المصالح على عذوبة العواطف ونقاء المشاعر.. ولأن الحريق يتسع وتزداد رقعته إذا وجد المعينات فقد تهيأت كل الظروف لذلك.. حياة لاهثة لا تتوقف ولاترحم.. وعولمة طاحنة تضرب بيد من حديد عبر وسائط مرئية ومسموعة.. لذلك كان من الطبيعي أن يتابع الملايين (مهند ونور) أملا في جرعة حب تروي ظمأهم، وبكى الجميع على زيدان إبراهيم بكل هذه الحرقة، فالرجل غنى لما تشتاق للمشاعر تملا دنياك بي عبيرا.. ولما تشتاق للمشاعر تنسجم تلبس حريرا.. أبقى اسأل عن قلوبنا تلقى فيها كنوز محبة.. تلقى فيها الريدة فاردة جناحها تشتاق للربيع.. تقول لي (النبق )!!

*تلويح: فكرة مختلفة من بنات أفكار الأستاذ الإعلامى القدير(الطيب عبد الماجد) الذي بين ظهراني البلاد الآن.. لا تخلو من طرافه وموضوعية… ويا سلام على الطرب الأصيل.

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي