داليا الياس

رهبة الموت!!

[JUSTIFY]
رهبة الموت!!

* هل فقدنا حقاً إحساسنا برهبة الموت؟!، سؤال يطرح نفسه بشدة وأنا مازالتُ أتلقى ردود أفعال القراء تجاه ما طرحناه سابقاً في ذات السياق حول ما يحدث في بيوت العزاء تحت عنوان (لا عزاء للسيدات). ولم أكن حينها أتوقع أن يجد هذا الطرح كل ما وجده من تفاعل وتعقيبات وكلها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمر قد وصل حد الظاهرة بالقدر الذي استفز فيه مشاعر الكثيرين واسترعى انتباهم.
* وكنتُ يومها قد ركّزت حديثي حول السلبيات التي تأتي بها النساء في (بيت البكا) من واقع مشاهداتي المباشرة، فكان أن علمت بعد ذلك أن أسوأ منه ما يبادر به الرجال في حضرة الموت.
* وحدثني أحدهم مؤكداً أنه رأى بأم عينه العديد من المواقف المُشينة والمؤسفة التي تصدر عن رجال ما يزال بعضهم في انتظار أن يواري الثرى على المرحوم بالمقابر، وهم حينها في مجالات وحوارات جانبية وبعضهم اتخذ زاوية قصية ليُبرم بعض الصفقات المالية أو يتجاذب مع صديقه حديث الرياضة أو العمل بعد طول غياب متناسين تماماً كل ما يتعلق بالمكان والزمان الذي هم فيه.
* بل إن الأدهى من ذلك أنه في كثير من الأحيان يتم ضبط أحد النشالين يُمارس عمله بنشاط بين جموع المُشيِّعين وقد اتخذ من الأمر عادة، له بمعنى أنه يتصيَّد “الجنائز” عن عمد ومع سبق الإصرار والترصُّد دون أن يكون الأمر صدفة أو (وزّة) شيطان عارضة فهذا فعلياً مجال عمله والتوقيت الذي يختاره لمزاولته!!
* وبالمقابل بات من المعتاد حدوث بعض السرقات داخل (بيوت البكا) من قِبل النساء لا سيما في اللحظات الأولى التي يكون فيها أهل الفقيد مذهولين حائرين وقد أخذتهم الفاجعة على حين غرة، لتبدأ بعض ذوات النفوس الضعيفة في البحث عن كل ما خفّ وزنه وسُهل إخفاؤه وغلا ثمنه مثل الجوالات والحُلي الذهبية والنقود وغيرها، وغالباً لا يكتشف أصحاب الحق الأمر إلا بعد مُضي وقت طويل بحيث يكون الزحام على أشده ويصبح من المستحيل معرفة الفاعل أو مجرد الشك فيه.
* وقد حدثني أحد القراء بما جعلني في ذهول وخوف عارمين، لأن الناس قد بلغوا حداً بعيداً من موت القلوب وانعدام الرحمة والبُعد عن الله، فقد أقسم أنه كان شاهداً على سرقة “السجادة” التي كان جثمان (المرحوم) مسجى عليها فوق (العنقريب) على ظهر أحد (البكاسي) وبينما المشيعون منشغلون بالحفر لمواراته الثرى ليعودوا بعد حين فيجدوا الجثمان في غير موضعه والسجادة غير موجودة!! ولا نملك سوى أن نستعيذ بالله من ذلك.
* آخر.. أكد لي أنه كان أحد شهود العيان في حادث مروري مروِّع حيث تمزّقت الأجساد وسالت الدماء أنهاراً، ورغم بشاعة المشهد وجد أحدهم في نفسه الجرأة والحنكة اللازمة ليسرق أغراض “الموتى” ومحمولاتهم القيمة من أموال وجوالات، غير أنه قد قام ـ مشكوراً ـ بالاتصال بذويهم من ذات الجوالات ناقلاً لهم الخبر المؤسف بكل بساطة قبل أن يغلق الهواتف النقالة تماماً ويتخلص من بطاقاتها الإلكترونية.
* إذن.. فقد ضاعت هيبة الموت ورهبته من بعض ذوي النفوس الضعيفة، وختم الله على قلوب العديدين بالغلظة والموت، وأخشى ما أخشاه أن يتحول الأمر إلى حالة عامة، فهل يمكن أن يكون ذلك باعتيادنا على الموت وتواتره؟! وهل أصبح الموت شأناً يومياً معتاداً مثل السواك والخروج من المنزل للحد الذي لم يعد يؤثر فينا أو يخيفنا أو يُذكِرنا بسكراته التي لابد أننا ذائقوها لا محالة؟! وهؤلاء القساة الذين يعمد بعضهم (للونسة) والنميمة، ويعمد البعض الآخر لسرقة الموتى؛ هل يضمن أحدهم أن يمضي يومه بعيداً عن سطوة عزرائيل؟، وهل نسيّ أنه ملاقيه لا محالة؟!
* أما الحديث عن السيدات الجاهلات اللائي يؤمن بالدجل والشعوذة لدرجة أنهن قد يذهبن لدفن بعض الأعمال والخُزعبلات في المقابر دون رهبة أو احترام، فهذا ما يحتاج منا أن نفرد له مساحة خاصة نرفع معها حاجب الدهشة ونسأل الله حسن الخاتمة.
* تلويح: ألهاكم (التكاثُر).. و(مُحدثات العصر) حتى توهمتم الخلود، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي