منصور الصويم

الرعب: أطياف السحر المديني “1”


[JUSTIFY]
الرعب: أطياف السحر المديني “1”

يحكى أن سكان المدينة التي من نفايات نتنة ومجار قذرة وبعوض ممرض وأمراض مزمنة وشوارع متقشرة الإسفلت وكهرباء ميتة التيار ومواسير صحراوية؛ المدينة المتريفة المتحضرة، أبراجاً سحابية ورواكيب تراثية، مدينة التناقضات واللا خدمات والتدهور (الجينسي من موسوعة جينس) والتقدم (الجينسي) أيضاً.. يحكى أن سكان المدينة الذين عُجنوا من ابتلاء وصبر وانتظار، أنهم استيقظوا ذات صباح ووجدوا أن المدينة أبدلت جلدها وحالها وشكلها ووجهها في ضربة سحرية مأخوذة حتماً من عمق ليالي الألف ليلة وليلة، أو أن جنياً من جن سليمان أبدلها في أقل من لمح البصر فصارت المدينة الحلمية المرتجاة والمتمناة لدى سكان الصبر والبلاء والانتظار.

قال الراوي: استيقظ السكان فوجدوا أن المياه تتدفق باندفاع من مواسيرهم وتصعد في كبرياء عبر الدش لتهبهم استحماماً منعشاً، كما وجدوا أن ثلاجاتهم (ترز وتهز) بأثر تيار الكهرباء مكتمل الفولتات؛ وأن لبن الصباح لم (يتقطَّع) وأن ملاح اليوم ما (فار)، فشغلوا مراوحهم ومكيفاتهم وشغلوا للصغار قنواتهم الطفولية؛ التي فوجئوا بأنها كانت تبث من السودان وبلسان سوداني مبين.. كانت السعادة – لسبب ما – تظلل السكان وهم يتهيأون لاستقبال يوم جديد.

قال الراوي: حين خرج السكان للشوارع ومواقف المواصلات فوجئوا بالطفرة التنموية الخدمية التي انكشفت لهم سحراً – هذا الصباح، حيث كانت الشوارع مغطاة بإسفلت صقيل لامع؛ زواياه – حيث المارة – مغطاة بالسيراميك والرخام تلمع مبرقة من النظافة، وحين اتجهوا صوب مواقفهم للمواصلات كانت بانتظارهم مظلات (ظليييلة) معدة بمقاعد مريحة، لم يمكثوا بها إلا هنيهات حتى حضرت متهادية البصات البرحة (المريحة)؛ وبعدها بثوان الترام (المشتهى)، فصعدوا – يا للحب – بنظام وهدوء وترافق دون ضوضاء أو مشاجرات صوب مؤسساتهم ومكاتبهم للعمل (المقدس). قال الراوي: في المساء حين خرج السكان من مكاتبهم في الوقت المحدد لانتهاء الدوام تفرقوا في حنان صوب مقاصدهم اليومية: البعض اتجه للتسوق، فوجد – يا للمفاجأة – أن الأسواق الأرضية الزبالية القذرة – سابقاً – أُبدلت بأسواق مغلقة (زجاجية) نظيفة تدور فيها عربات التسوق الصغيرة محملة بالأغراض الشرائية المختلفة، وبائعات جميلات وباعة وسيمون ضاحكون يبايعونهم، وكانت الأسعار (رخيييييصة) وفي متناول الجميع. أما البعض الآخر من السكان (أغلبهم من الشباب) فاتجهوا صوب دور السينما الحديثة الراقية التي كانت تعرض آخر الأفلام السودانية الحائزة على الجوائز العالمية، بينما البعض تحرك باتجاه حدائق الأزهار (الشذية) والمسارح الوطنية لمشاهدة المسرح أو العروض الموسيقية (الرااااااقية).. وكانت المدينة السحرية في المساء مضاءة بالأنوار البراقة الملونة المدهشة التي تسطع من على ناطحات سحابها ومبانيها الأنيقة في انسجام وتناغم.. كان السكان في سعادة يتجولون: راجلين، على مترو الأنفاق، بالباصات البرحة الأنيقة، في عرباتهم الخاصة الصغيرة المتناسقة.. الكل كان سعيداً في مدينة الأحلام السحرية.

ختم الراوي، قال: حين آب السكان إلى مراقدهم الحضارية الراقية، كان طائر سكيورتي مثابر يتأملهم من خلال شاشات كمبيوترات صغيرة موزعة أمامه.. تابعهم واحداً واحداً وهم ينسربون في نومهم العميق السلس، راقب من فضلوا السهر بالملاهي والحدائق والمسارح الثقافية وسلط عليهم (بضغطة من زر) شعاعاً أصفر فناموا وقوفاً وجلوساً وهمساً وحضناً.. تأمل كمبيوتراته، لعب على أزرار كي بورداته، ظلال رمادية غطت الشاشات، عادت المدينة كما كانت: أظلمت الأزقة والأحياء، تلاشت ناطحات السحاب، تقزمت الباصات، تعرت الأسواق، جفت المياه، راحت الكهرباء، تقشرت الشوارع، تدفقت الفواكه والخضراوات على التراب، تكومت من جديد أكوام النفايات و…. تثاءب السكيورتي وقال: تجربة كويسة، كدي بكرة نشوف بحصل شنو!

(يتبع)
[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]mansourem@hotmail.com[/EMAIL]