هجرة أساتذة الجامعات..سرطان ينهش جسد التعليم العالي
إن هجرة أستاذة كانوا يشغلون مواقع مختلفة بالجامعات السودانية نحو دول عربية وإفريقية وأوربية، سيخلق فجوة كبيرة جداً وفراغاً عريضاً، ليس من السهولة بمكان ملأه بأساتذة يفتقرون الى الدراية والخبرة الكافية، وذلك قطعاً سينعكس سلباً على الطلاب لا سيما سمعة الجامعات السودانية حينما يتخرج منها طلاب خاليو الوفاض من العلم تماماً. لإلقاء الضوء على التأثير السلبي للهجرة الكبيرة لأستاذة الجامعات وضعت (حكايات) هذه القضية على طاولة النقاش مع العديد من الأساتذة الجامعيين والمختصين في التعليم العالي.
دوافع منطقية
أشار الدكتور فتح العليم عبد الله (جامعة أم درمان الأهلية)، الى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وقال إن الظروف هي التي أدت الى أرتفاع أسعار السلع الغذائية والعقارات والعلاج، الشيء الذي لا يقوى عليه أستاذ جامعي لا يتعدى مرتبه (2) ألف جنيه – ويتحصل على هذا المبلغ إذا بلغ الستين- غير أن الحاجة الماسة هي التي دفعته الى الهجرة في هذا التوقيت بالذات، حتى يتمكن من تعليم أبنائه وتهيئة سكن خاص بهم. وقال إن الدول العربية والإفريقية تفتقر الى المؤهلات العالية التي يتمتع بها الأستاذ السوداني لذلك جذبته بالمرتب المجزي، وكذلك التسهيلات التي لم يجدها في بلاده حتى يشيب الغراب على حد تعبيره ، مبيناً أن (50%) من الأساتذة الجامعيين يستأجرون منازل في أطراف مترامية من العاصمة، و(30%) منهم يسكنون فى منازل حكومية، إما الـ(20%) النسبة الباقية هم في الغالب الأعم يسكنون مع أصهارهم، الشيء الذي يجردهم من حريتهم وكرامتهم، ووفقاً لهذه الظروف فإنهم يحتاجون للهجرة حتى يتمكنوا من بناء مستقبل زاهر في آخر أيامهم.
ما باليد حيلة
ويرى د. ياسر النصري )جامعة الرباط الوطني(، أنه خلال السنوات الأخيرة صعُب على الاستاذ الجامعي مواكبة مجال تخصصه، وضاقت حركته تجاه البحث العلمي والكتابات، بالإضافة الى مشكلات النشر التي تقف في طريقه حيث لا توجد مؤسسات نشر تهتم بإنتاجه، حتى بدأ يظهر عليه الإجهاد النفسي والبدني الذي يعايشه وهو يعمل في أكثر من جامعة ليتمكن من نشر أفكار علمية وعملية جديدة فى المنهج العلمي، وأضاف د. ياسر إن عدم قدرة الأستاذ على العمل فى مهن أخرى تزيد دخله لمجابهة الزيادات المضطردة فى السكن والإعاشة، جعلته يبحث عن مخرج لزيادة الأجر أو الدخل، لتضرب بالأفكار عرض الحائط في خضم التفكير العميق. وأشار إن فرص الاغتراب جعلت الكثير من الأساتذة لا يتوانون في الهجرة من أجل تحقيق الأحلام التي عجزوا عن تحقيقها وهم يتجولون بين مجموعة من الجامعات لزيادة دخلهم، ولم تهتم الجامعات لتهيئة وضعهم إلا مؤخراً، فبعثت بفكرة القبول الموازي الذي يُمكن الأستاذ من تقاضي أكثر من مرتب من مؤسسة، وبالتالي خلق استقرار نفسي ومادي للأستاذ الجامعي، وأضاف: « للأسف جاءت هذه الأفكار بعد أن هاجر عدد كبير من الأستاذة الأكفاء، وفي نهاية الأمر نأمل أن تحدث هجرة عقول عكسية لتوفير احتياجات الأستاذ الجامعي بدءاً من السكن وانتهاءً بالإعاشة».
البحث عن الذات
الظروف الاقتصادية المتعلقة بالأحوال المعيشية للأساتذة الجامعيين والمهنيين بصورة عامة هى الدافع الأساسي للهجرة هكذا ابتدر أستاذ جامعي فضل حجب اسمه حديثه لـ(حكايات) وقال إن الأستاذ الجامعي لا يقبل بمستوى تعليمي لأسرته أقل من مستواه أو ما تحصل عليه هو، وأضاف لذلك هو يطمح بأن يعلِّم أبناءه تعليماً ممتازاً، وهذا لا يحدث فى ظل انهيار التعليم النظامي الحكومي مما يدفعه للبحث عن تعليم رفيع فى المدارس الخاصة وهذا يتناقض بالضرورة مع دخل الأستاذ الجامعي.
وافقه الرأي الأستاذ الصادق على حمدين «جامعة أم درمان الأهلية» وأشار الى الهجرة لها أسباب كثيرة منها الظرف الاقتصادي الراهن، الذي حدا بالكثيرين اللجوء إليها من أجل تحسين وضعهم المادي والاقتصادي، وكلها أسباب خاصة تنعكس سلباً على مستوى الطالب الأكاديمي لعدم توصيل المعلومة فى ظل هجرة هذه العقول الى الخارج، لذلك لابد من توفيق أوضاع الأساتذة حتى يتمكنوا من تقديم ماهو مفيد للطلاب.
أرقام صادمة
يرى الدكتور لؤي عمر بركات «متخصص في اللغة العربية» إن أخطر ما يتعرض له السودان في الآونة الأخيرة هو هجرة العقول ذات الكفاءة العالية، خاصة في الحقل التعليمي، هجرة هذا النوع تخلق فجوة كبيرة جداً داخل الجامعات والمعاهد العليا، وقد تداول الإعلام في الآونة الأخيرة إحصائيات وأرقاماً مهولة جداً في مختلف التخصصات غادرت البلاد، وتلك الأعداد تتطلب الوقوف عندها من قبل الجهات المنوط بها أمر التعليم العالي بالبلاد حتى لا ينهار هنا، ويزدهر في دول الخليج وليبيا اللتين لهما نصيب الأسد من هذه الهجرة، والمح د. لؤي أن غالبية الأساتذة الذين يعملون بالجامعات اليوم هم من حملة الماجستير أي خريجون جدد، والمقعد الذي تركه الأستاذ المهاجر سيظل شاغراً، لأن من يسد مكانه أستاذ ضعيف أكاديمياً، يؤثر سلباً على التحصل الأكاديمي للطالب فيتخرج حاملاً شهادات بدون محتوى، والخطير في الأمر أن هناك كليات أضحت خاوية على عروشها.
من جانبه، قال الدكتور عبد العزيز علي السيد (كلية غرب النيل) إن هجرة أساتذة الجامعات بأعداد كبيرة فى الآونة الأخيرة لها تأثير مباشر على التعليم العالي بإحداث خلل واضح في الجانب الأكاديمي والمهني، موضحاً إن ضُعف المرتب الذي يتقاضاه الأستاذ الجامعي إضافة الى الوضع الاقتصادي السيء قاد الى هجرة هذه العقول بحثاً عن وضع أفضل يمكنهم من تلبية احتياجاتهم وأسرهم.
إستفادة قصوى
(رُب ضارةً نافعة) بهذه المقولة أبتدر رئيس رابطة طلاب كلية غرب النيل هاشم سليمان حديثه لـ(حكايات) وقال إن هجرة بعض الأساتذة ذوي العقول النيرة لم تؤثر على عملية التعليم العالي لأنها أتاحت الفرصة للأساتذة الآخرين، وأضاف إن كثيراً من الخريجين استفادوا من تلك الهجرة لكفاءتهم العالية، وفي ذات الوقت وجه هاشم سليمان رسالة لكل أستاذ جامعي قال فيها إن السودان محتاج لهذه العقول النيرة التي هاجرت لنقل خبرتهم الى عقول أخرى.
خواء علمي
يرى الخبير في التعليم العالي، د. عبد العال حمزة حسن محمد صالح، إن ظاهرة هجرة أساتذة الجامعات للعمل بالخارج، أصبحت تلقي بظلالها السالبة على جميع المؤسسات العامة والخاصة، ما يستدعي الوقوف ملياً عندها بهدف الكشف عن أسبابها وإيجاد الحلول لما لها من آثار خطيرة ومؤثرة على البلاد، وعلى مستقبل التعليم الجامعي، في وقت شهدت فيه السنوات الأخيرة معدلات هجرة الأستاذة أرقاماً غير مسبوقة في تاريخنا، وأصبحت معظم المؤسسات العلمية تواجه نقصاً كبيراً في الكفاءات بمختلف التخصصات، وأكد عبد العال على اختلال سوق العمل في التعليم العالي وعدم انسجامه مع مطالب الأساتذة المادية، ما ساعد على انخفاض المستوى المعيشي لهذه الفئة، والبحث عن سوق عمل آخر جاذب لهم، لذلك نسبة الهجرة للخارج في تزايد لتوفر العروض المجزية مع الوضع الاجتماعي المتميز وبيئة تعليمية جيدة، بالإضافة الى الكثير من المميزات الأخرى التي لا يحلم بها الأستاذ الجامعي في وطنه. كما أكد د. عبد العال، أن كل ذلك يحدث لانعدام التخطيط الواقعي في مجال التعليم العالي والفشل فى إيجاد شروط وظيفية مجزية تمكن هذه العقول من الاستقرار والإبداع في البحث العلمي، وكذلك بعض القوانين والتشريعات والتعهدات والكفالات المالية التي أربكت أصحاب الخبرات من الأساتذة الذين نالوا شهادات عليا من الخارج، فضلاً عن البيروقراطية والإدارة التقليدية والتضييق على الكفاءات المبدعة في إشباع الطموح العلمي والبحث وتطوير الذات .
ورأى د. عبد العال، إن الإحباط أحد أسباب الهجرة التي تصيب المتميزين والأكفاء، وهم يرون إسناد مسؤولية تسيير دفة العمل في الجامعات الى من يقل عنهم كفاءة وتميزاً، إضافة الى الضجر الذى يعتري البعض من الأزمات السياسية والاقتصادية المتتالية، كما يعاني بعض العلماء من انعدام وجود عمل يناسب إختصاصاتهم العلمية وعدم توفير التسهيلات المناسبة وغياب المناخ الملائم لإمكانية العمل.
وحذر الخبير في التعليم العالي إن هذه القضية تعد من أخطر المشكلات التى تواجه برامج التنمية، لأن في هجرة الأستاذ الجامعي إنتقال لأهم رأسمال اقتصادي وهو رأس المال البشري المثقف، الذي استفادت منه كثير من الدول، وحرمت منه البلاد.
ولخص د. عبد العال الإنعكاسات السلبية لهجرة الأساتذة فى ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول التى تصب في شرايين دول المهجر، بينما تحتاج التنمية في السودان لمثل هذه الكفاءات في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقانة وغيرها، إضافة الى تبديد الموارد الإنسانية والمالية التي انفقت في تعليم وتدريب الكفاءات والتي تحصل عليها دول المهجر بدون مقابل يذكر، فضلاً عن الضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في المؤسسات التعليمية بالمقارنة مع الإنتاج العلمي للعقول السودانية بالخارج، وفقدان قوى عاملة مدربة وخبرات متراكمة، وحدوث بعض المشكلات الاجتماعية والأسرية جراء الهجرة.
هجرة عكسية
والمفارقة التي يجدر الإشارة إليها، بحسب الدكتور عبد العال، إنه مع ازدياد معدلات هجرة الكفاءات السودانية يزداد الاعتماد على الكفاءات الأجنبية في مجال التعليم العالي وبتكلفة اقتصادية مرتفعة والسودان يتحمل بسبب هذه الهجرة خسارة مزدوجة تكمن في ضياع ما أنفقه من أموال وجهد في تعليم وإعداد الكفاءات المهاجرة، ومواجهة نقص الكفاءات وسوء استغلالها والإستعاضة عنها بإستيراد كفاءات أجنبية بتكلفة كبيرة، مشيراً إن الأساتذة والمساعدين والمشاركين وقليل من البروفيسورات يغادرون البلاد وهم في قمة عطائهم في مجال البحث العلمي لذلك لابد من استعادتهم والحفاظ عليهم من جانب، ثم الإستفادة من خبرتهم وعلمهم من جانب آخر.
أين الحل؟
ويقطع الخبير في التعليم العالي بأن المعالجات المطلوبة لإيقاف هجرة العقول السودانية تكمن في توفير بيئة سليمة وشروط خدمة متميزة للأستاذ الجامعي لأن ذلك هو الحافز لبقاء الكفاءات والتشجيع لمن هم خارج الوطن للعودة بتوفير السكن المجاني أو المدعوم وتحقيق مجانية التعليم بمختلف المراحل التعليمية لأبناء أعضاء هيئة التدريس، إضافة الى تطبيق مجانية العلاج الكامل وتشريع قوانين جديدة تساعد على توفير بيئة عمل صحيحة ومعافاة، وتوفير ما يعين على تطبيق هذه التشريعات بالصورة المطلوبة وتوفير وسائل البحث الكافية في الجامعات ومراكز البحوث وإطلاق الحريات الأكاديمية للبحث والنقد والمشاركة
تحقيق: الشفيع علي ــ ياسر مبارك
صحيفة حكايات
خ.يي
[SIZE=6]- والنصف الممتلئ من الكوب يقول أن الجامعات تخرج سنويا ما يزيد عن 10 الاف خريج من كافة المجالات
– وحكاية تقول أن الهجرة هي الحل لتكدس الخريجين والذي ليس له حل مع اقتصاد ينمو ببطء قاتل والنهاية هي ضياع ثم دمار على كافة المستويات وأولها دمار الإيمان بالوطن ثم الرزق ثم ….وثم
– ولِما للكادر السوداني المغترب من خصائص اخلاقية نادرة في العمل فهو إضافة دبلوماسية لا تراها الدولة بالعين الصحيحة لكنه قادر حتما على صناعة التوازن النفسي تجاه السودان من شعوب تلك الدول مهما تقلبت المواقف السياسية
– وما يقدمه المغترب من عون مادي وتكافل اسري يجعل هجرة هذه العقول تخلق الاستقرار المادي للأسر وبالتالي ينحسر الانهيار الاخلاقي الى نسبة كبيرة
– ليس من المعقول أن نظل نحثوا التراب على رؤوسنا في كل وقت وحين فكل شي لسبب…دعونا نتفائل ونحسن الظن ونرى النصف الممتلئ من الكوب[/SIZE]
بالغتوا يالشفيع على وياسر مبارك ؟ نعم هنالك هجرة ولكن ليس بهذا الحجم ” 21 ألف خلال شهور ” لو كده كان الجامعات إغلقت أبوابها نهائيا لعدم وجود أساتذة ” الله يهديكم ” وتحروا الدقة والصدق ويبدو إنكم من الرفاق وهذا يبدو من الأسماء ….