داليا الياس

العبيد الجُدد

[JUSTIFY]
العبيد الجُدد

هل تريد أن تعرف إذا ما كنت أسيراً لهاتفك الذكي وأنك انضممت فعلياً لقافلة العبيد الجدد؟!!

حين يكون هاتفك الجوال آخر ما تغمض عليه عينك قبل النوم، وأول ما تفتح عليه عينيك، وهو الذي في يقظتك المتكررة من منامك يحظى بمتابعة متعاقبة وسط ظلام الغرفة وثقب طفيف من العينين الغارقة في النعاس، ينسيك في الصباح حمد الله على حياة جديدة كتبها لك، وقد رد إليك روحك التي استودعتها إياه وأنت بنعمة وعافية، فإن هذا يعني أن للتقنية سيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياتك، وأنك غدوت أسيراً لها.

حين يستحوذ هاتفك الذكي على مجمل الوقت الذي كنت من قبل تقضيه مع الأصدقاء والناس.. فتكون مشاغبتك للمغردين في “تويتر” أهم من ملاعبتك لأطفالك وأحفادك، وحديثك مع المجموعات أو الدردشات أهم من حديثك مع شريكك وأبنائك، وتركيزك مع خطابات الآخرين وأحاديثهم أهم من تركيزك على بوح وأحاديث أمك وأبيك وحضورك الحقيقي معهما، فإن هذا يعني أن للتقنية سيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياتك، وأنك غدوت أسيراً لها.

حين تكاد تصاب بالعته والجنون من مجرد تعطل خدمة النت أو تعثر “الواي فاي” أو لعدم توفرها.. فيباغتك الإحساس بالعزلة التامة عن العالم والاغتراب الشديد، والشعور بالوحدة والضجر، حتى لو كنت تقضي أياماً في مكان غاية في الروعة والجمال، لتنفر مثل الملدوغ تبحث عن أدنى إشارة تنعش فيك الحياة مجدداً مهما كلّف الثمن، فإن هذا يعني أن للتقنية سيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياتك، وأنك غدوت أسيراً لها…

حين يقضي معلم المراحل الدراسية المبكرة فصلاً دراسياً أو عاماً كاملاً ليقنع فيه التلميذ بأن للقلم آلية في الإمساك باليد للكتابة تختلف عن آلية تنظيف الأحذية، أو يبذل الآباء جهدا خرافياً لتحفيز البنت أو المراهق على مرافقتهما إلى أمسية أو مناسبة للأهل أو الأصدقاء وترك عوالمهم الافتراضية، أو تقنع الأم طفلها بأن منخارها وعينيها وأنفها ليست روابط مفعَّلة قابلة للتشغيل بمجرد اللمس، فإن هذا يعني أن التقنية مرشحة لسيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياة جيل بأسره، وأنهم مهيئون بكفاءة ليكونوا أسرى لها.

حين ترى صديقين أو زوجين على طاولة واحدة في مكان مبهج غير عابئين بكل الجمال حولهما، يتقابلان كالتماثيل المحنطة، أو ترى جماعة من الأقرباء والمعارف مجتمعين في مكان واحد، أبصارهم شاخصة في شاشات الجوال، آثروا العالم الافتراضي المزيف الذي اختاروه عن العالم الحقيقي، أو يصبح فيه طنين رسالة طارئة إلى جوالك قادرا على أن يبتر حديثك مع الآخر، أو أن يشتت إصغاءك وتركيزك مع مناقشاته، فإن هذا يعني أن للتقنية سيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياتهم، وأنهم غدوا أسرى لها.

حين تبدأ في الإحساس بأن ذاكرتك غدت مثقوبة، غير قادرة على استعادة تذكر الأشياء، أو بدأت في الشعور بتراجع قدرتك على إبصار الأشياء البعيدة، أو بدأت تفقد التركيز، لا تعرف أين تركت النظارة، أو المحفظة أو الأوراق، أو لم يعد يلفت انتباهك الثوب الجديد والتسريحة الجديدة، التي تزينت بها زوجتك، فإن هذا يعني أن للتقنية سيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياتك، وأنك غدوت أسيراً لها.

حين لا يجد الناس رغبة في القراءة ولا الاطلاع، ولا تقصِّي المعلومة، إلا من خلال هواتفهم الذكية، وحين لا يعودون يرون بعدسات أعينهم كل الجمال على الأرض، ويستبدلونها بعدسات كاميراتهم على هواتفهم، وحين يصبح هاجس التقاط الصورة أهم من إنقاذ مستغيث، وأكثر قداسة من حرمة مريض عاجز، أو ميت، وأكبر جهاز تلصص على أدق تفاصيل حياتنا الخاصة؛ أفراحنا، ومصائبنا، وسفرنا، وتنقلاتنا، والهدايا التي نتلقاها، والمنجزات والخيبات، جميعها موثقة بالعبارة والصورة، فلا يعود للناس سرائر مخبأة، فإن هذا يعني أن للتقنية سيادة عليا وسلطة مطلقة في إدارة حياتك، وأنك غدوت أسيراً لها.

حين تبدأ في نسف كل لحظة جميلة وكل بوح مرهف كنت تقضيه مع زوجتك، فلا تعود المجالسة معها تغريك كما في السابق، تاركاً الصدأ يتسلل إلى علاقتك معها لانشغالك عنها بآخرين مزيفين تراهم أولى بالبوح والحديث منها، حتى لا يعود حضورك مجدياً بالنسبة لها، فتضيع من أيديكما حياة ثمينة وأيام جميلة، فإن هذا يعني أنه قد وجب علينا تهنئتك بانضمامك فعليا إلى عبيد الجدد.

د. أميره على الزهراني-مجلة اليمامه

تلويح:

قرأت هذا المقال الواقعي وأعجبني، فوددت أن تطلعوا عليه لنقف وقفة “جماعية متأملة في هذا الشأن!!.

ودمتم أحراراً.

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي