“جندب” سلاح
*والنداء العسكري الشهير (جنباً سلاح) يطلق للهدنة.. للاستراحة. لمنح القوات المنتظمة في الطوابير الفرصة للتنهد والاعتدال وإصلاح البزة العسكرية والتململ قليلاً قبل أن يرفع السلاح (عمداً) من جديد لمواصلة المهام أو الاستعراض .
تلك الطوابير تطلق لها النداءات، وهي تمتشق البنادق والأسلحة النارية.. فماذا عن ربوعنا المترامية الآن، وهي تمتشق الجنادب والصراصير والنمل والذباب والباعوض؟ متى يدخل هذا الجيش العرمرم في هدنة مع المواطن؟ بل متى تتدخل القوات المعنية لفض هذا النزاع وبسط الأمن والصحة والإصحاح البيئي؟!
*(غزو الجنادب) هو الفيلم الأشهر الذي يعرض هذه الأيام على شاشات حياواتنا في جميع الاتجاهات.. الكل يشكو.. ويتذمر.. ولا يعلم الطريقة المثلى لمكافحة هذه الأوبئة، فيجتهد كل حسب طريقته أو ما نما إلى مسامعه من تجارب الآخرين.
الحكومة نفسها كمسؤول أول- تجتهد بوسائل تثير الضحك والشفقة أحياناً.. وما حكاية (إستاد شندي) ببعيدة عن الأذهان.. والحقيقة أنني حتى كتابة هذه السطور لا أعلم هل نجحت التجربة أم لا.. فإن كانت هذه الفكرة النيرة التي أشعلت (كشافات) الإستاد وأطفأت مصابيح البيوت قد حققت غايتها المرجوة وهدفها النبيل فإنه لعمري سيكون سبقاً سودانياً عالمياً غير مسبوق.. يرفعنا إلى مصاف الدول المتقدمة من حيث الأفكار والمقترحات وسياسات الدولة وآلية التطبيق!.. ويمكننا أن نعمم المقترح على كل المناطق المتضررة من هذا الغزو الجندبي الكاسح.. وننعم بعدها بالنصر الكبير ونشرب أنخاب الزهو.. ونرفع القبعات.. والأسلحة لنؤدي (سلام المجد)!!
*حدثتني العزيزة (غادة شيبون) عن حكايتها مع غزو الجنادب إبان العام 2005.. حين كانت أحد شهود العيان حين اكتسح الغازي مدينة ود مدني، ولم تفلح بركات الشيخ (السني) في صده.. وعاشت المدينة أياماً عصيبة وهي في صمم.. يغلق الجميع آذانهم دون أصوات الآخرين خشية الجنادب المولعة بأستيطان الآذان!! وأضافت لي معلومة جديدة تؤكد أن قبيلة الجنادب وحلفاءها من الصراصير، من الحشرات التي تطلق ريحاً كريهاً غير محددة الملامح، ولكنه قد يسبب الوفاة لمرضى الصدر والربو و(الحساسية).. ولهذا تكون الاستهانة بهذا الغزو على اعتبارة حالة طارئة وعارضة فيه الكثير من الاستهانة واللامبالاة، فالشاهد أن لهذا الغزو ضحايا من الأرواح البشرية.
وها هو التاريخ يعيد نفسه.. وولاية الجزيرة تتلفح الخوف والقلق كل مساء.. والخرطوم تئن تحت وطأة الجنادب التي تشير بوضوح للتردي في كل شيء.. لا إصحاح بيئي ولا نظافة ولا عاصمة حضارية ولا يحزنون!!.. لن نكذب على أنفسنا وسنعيش واقع تخلفنا البيئي والإنساني كما هو.. فقط سنرجو العارفين أن يحيطونا علماً بما يمكن أن نتخذه من إجراءات فردية أو جماعية لمكافحة هذا الوباء والقيام بواجبنا الإنساني تجاه أنفسنا.. وأرجو من الشعب ألا يعول كثيراً على مبادرات الحكومة في هذا الأطار.. فالإطار الأبرز هذه الأيام هو إطار الصورة الرسمية التي تضم الحكومة الجديدة المرتقبة.
واتركوا لهم مسؤولية الأفكار النيرة باستضافة الجنادب في الدوري المحلي والممتاز عساها تبلغ كأس العالم في سانحة غير مسبوقة..! أتركوهم.. فالإستادات كثيرة وفارغة ومهملة وكرة القدم متردية وتحتاج لرفدها بلاعبين جدد قد يكونوا من فريق الجنادب!!
ودعونا نتفرغ للمكافحة وحدنا كشعب جائع ومريض وجاهل ومكابد لا يستحق بعدها أن يموت بسبب جندب أو صرصور أو بعوضة أو ذبابة أو (نِمتي).. والأخير لمن لا يعرفونه هو ذلك الكائن الصغير غير المرئي الذي يقدمك قرباناً لسهر الليالي و(حراق) الروح.. ونحن في غنى عن كل ذلك.. ولا ينقصنا أبداً أن نفتح جبهةً جديدة لقوات متمردة أو غازية أخشى أن تحل مكان قوات الجبهة الثورية في كل الذرائع والمصائب التي تحيط بنا! وأفيدونا في ما يتعلق بالسيطرة على الأوضاع حتى يضطر الجندب لإلقاء سلاحة والاستسلام.
*تلويح:
(جندب).. (جندب).. الليل نعدو!!
إندياح – صحيفة اليوم التالي