إبراهيم درويش: في تركيا تزايد في ظاهرة استغلال اللاجئات السوريات مافيات تستغل فقرهن وتجبرهن على الزواج غير القانوني والدعارة أيضا
وكما أشارت مجلة «إيكونوميست» البريطانية في عددها الأخير هناك الكثير من بين ثلاثة ملايين لاجىء سوري يشيرون لمدنهم وقراهم باستخدام الفعل الماضي «كنا في درعا واليوم لا توجد درعا»، بشكل أصبحت فيه هويتهم ملتبسة مثل إقامتهم.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة أن مئات الألوف من السوريين أصبحوا بلا دولة مما يعرض السوريون اللاجئون لخطر الإنضمام لـ 10 ملايين لاجىء حول العالم بدون وطن.
ويعاني الكثير من السوريين من مشكلة ضياع الأوراق والهويه الوطنية أو جواز السفر.
ولا يستطيعون والحالة هذه الحصول على أوراق جديدة إلا بالعودة لبلادهم او زيارة بعض السفارات العاملة في الخارج التابعة للحكومة في دمشق. والحصول على أوراق من خلال السفارات هذا يحتاج لوقت طويل، ومما زاد من مصاعب السوريين قيام تنظيم الدولة الإسلامية بتدمير الجوازات والهويات السورية.
ويعتبر الأطفال الفئة المتضررة من الأوضاع في المنفى خاصة أنهم غادروا وطنهم قبل حصولهم على جواز سفر، وهناك 8.000 قاصر بدون أوراق.
والوضع نفسه ينعكس على الأطفال السوريين الذين ولدوا في الخارج وعددهم 51.000 طفل. ولا تقف معاناة الأطفال عند هذا الحد بل من كبر منهم يعاني اليوم من إستغلال ورق.
رقيق في الحقول
ففي لبنان يعمل الأطفال السوريون في ظروف صعبة حسب تقرير كتبه «روبرت فيسك» في صحيفة «إندبندنت» البريطانية قال فيه إن الأطفال السوريين يعاملون معاملة عمال السخرة. وأشار لمأساة الطفل عبدالله إبن الحادية عشرة الذي ابتلع مسمارا قديما وهو في ورشة عمل. ولم يخبر والديه خوفا فمات مسموما. وعبدالله هو واحد من بين 200.000 طفل سوري بعضهم لم يتجاوز عمره الخامسة يعملون في حقول البطاطا في لبنان ويقطفون التين في سهل البقاع. ويقول فيسك إنهم يعاملون معاملة سيئة حيث تعرض الكثير منهم للضرب بالعصي.
ويرى أن اضطرار الأطفال للعمل يترك جيلا ضائعا غير متعلم لا يمكنه والحالة هذه المساعدة في بناء بلاده بعد انتهاء الحرب الأهلية «السرطانية» فمشكلة هذا الجيل الباني للبلاد أنه سيكون نصف متعلم اضطر للعمل في أعمال السخرة وعاش في أقذر المخيمات الموجودة في لبنان كما يقول فيسك.
وفي حديثه عن وفاة عبدالله الذي كان يعيش مع والديه في تل فرحون لاحظ فيسك أن الصحف اللبنانية لم تكتب عن وفاته شيئا لأن كل الإهتمام متركز على قتال الجيش اللبناني لأنصار» داعش» في شمال لبنان.
زيارة للمخيمات
وزار فيسك المخيمات في منطقة البقاع وتجول فيها حيث تقوم منظمات غير حكومية سورية ولبنانية «بشجاعة وإنسانية» على خدمة اللاجئين و»يتساءل الواحد كيف يمكن حل هذه المشكلة».
ويشير إلى عمق المشكلة النابعة من كون معظم آباء اللاجئين الأطفال في سوريا الآن ولهذا ترك أمرهم لأمهاتهم. ولهذا فحاجة العائلات للمال تدفع الأولاد للعمل مشيرا إلى نظام «الشاويش» وهو الشخص الذي يدير المخيم.
ويصف فيسك النظام بأنه «عبارة عن شبكة من المرتشين السوريين والذين يدفعون لكل ولد 90 قرشا في اليوم».
وهو أجر لا يكفي متطلبات الحياة اليومية، فالعائلة تدفع 8 دولارات في الشهر لاستئجار مصباح متحرك، و8 أخرى لاستئجار تلفزيون، وهناك بعض العائلات تدفع 80 دولارا للعيش في المخيم.
وينقل عن «شاويش» مخيم اسمه رضوان أبو خالد قوله إنه لا يستطيع دفع الكثير للأولاد لأن تكاليف نقلهم للحقول واستئجار التراكتور والشاحنات عالية. وعادة ما يستأجر»الشاويش» السوري الأرض من صاحبها اللبناني، وهو عمل كان يقوم به قبل الحرب في سوريا.
ويرى الكاتب أنه نظام فاسد حيث يجعل من الجيل القادم من الأولاد غير متعلم. مشيرا ان موضوع العودة مشكوك فيه لأن أرقام التشرد والهجرة في العالم تشير إلى أن 30% فقط من المهاجرين تعود إلى بلادها الأصلية.
نريد تعليما
ورغم هذا الوضع المأساوي إلا أن بعض المنظمات غير الحكومية تقوم بتنظيم برامج لتعليم الأطفال في المخيمات مثل منظمة «بيوند/ما بعد» وهي منظمة غير حكومية تتعاون مع منظة الطفولة العالمية (يونيسيف) ومنظمة العمل الدولية.
وتقوم «بيوند» بتنظيم مدارس في المخميات وتقود حملات ضد عمالة الأطفال. وتحاول الطلب بهدوء من الشاويش خفض ساعات العمل على الأقل حتى يتمكن الأطفال من الذهاب للمدرسة وقضاء بعض الوقت فيها.
ويقول فيسك إنه عندما زار المخيمات هذه وتحدث إلى الأطفال من سن 5- 15 قالوا له إنهم لا يريدون العمل في الحقول. وأشار أن الأطفال في المخيمات جاءوا من كل أنحاء سوريا، حتى من بلدة عين العرب/كوباني المحاصرة.
وجاء كل من هؤلاء الأطفال حاملا معه قصة عن الألم والدم. وتقول مديرة المنظمة ماريا الآسي «تحاول مدارس بيوند إقناع الأطفال تصوير حياتهم، ونتيجة لهذا تغيرت رسومهم وإن بشكل بسيط وتوقفوا عن رسم الجثث التي ينبعث من رؤوسها الدم إلى رسم الأشجار والفواكه والأطفال الذين يرقصون فرحا».
وقالت إن الأطفال نظموا مسرحية حول عمالة الأطفال وأدى فيها أطفال عاملون في الحقول الأدوار الرئيسية. وشاهد المسرحية 3.000 من سكان المخيم.
وتقول ماريا «عندما نسأل السوريين ماذا يريدون الجواب هو التعليم، ويريدون مدارس في المخيمات وخارجها، يمكن مشاهدة مدن وهي تدمر ولكن لا يمكن أن يكون لك جيل دمرت حياته».
وتقوم اليونيسف بدفع تكاليف المدارس ولكن لا اهتمام بعد بالحالات النفسية والأطفال الذي يعانون من صدمة الحرب، فلا وجود للأطباء أو المعالجين النفسيين.
من تشرد إلى تشرد
ويقول فيسك إن أحد مسؤولي «اليونيسيف» في بيروت وصف له بطريقة مؤثرة كيف أنفقت العائلات السورية كل مدخراتها فـ «عندما وصلت العائلة إلى هنا استأجرت الغرف، ومع تراجع مدخراتها بدأت بالعيش في غرفة واحدة. ومن ثم بدأت تتشارك مع آخرين في غرفة واحدة، وأخيرا ذهبت للمخيمات. وهناك عائلات تشردت ثلاث مرات في سوريا قبل وصولها إلى هنا».
ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين في لبنان 1.2 مليون، فيما يبلغ عدد المواليد السوريين في لبنان 15.000 ومع نهاية العام قد يصل العدد إلى 30.000 طفل من الصعب تسجيلهم. ويقول ممثل منظمة العمل الدولية في لبنان، فرانك هاغمان إن الأطفال بحاجة للتدريب والحماية والتعليم لأن إعادة إعمار البلاد يحتاج لمهارات.
وقال المسؤول سنحاول بناء مدارس للتقليل من آثار هذا الجيل الضائع، وهناك بعض الأطفال ممن يعملون ساعات عمل تتراوح ما بين 12-14 ساعة في اليوم. ويجب التقليل من ساعات العمل هذه ويجب علينا حماية صحة الأطفال». وفي الوقت الحالي فنسبة الطلاب السوريين المسجلين في المدارس لا يزال أقل من تلك النسبة المسجلة في دول الساحل والصحراء.
وتشير أرقام «اليونيسيف» أن نسبة 80% من السوريين في لبنان يعيشون في المناطق الفقيرة التي تعيش فيها نسبة 68% من أفقر الفئات السكانية في لبنان.
ويتأثر وضع السوريين بالأوضاع الميدانية فعندما اندلعت المعارك في جبال القلمون بين القوات السورية المدعومة من حزب الله ومقاتلي «جبهة النصرة» تحركت خيام اللاجئين إلى الجنوب.
وعندما بدأت القتال في القصير تحركت الخيام أيضا. والشيء الوحيد الذي أنجزه السوريون في لبنان هو حصولهم على أرض خاصة لدفن موتاهم، فعندما رفضت السلطات اللبنانية دفن اللاجئين الموتى في المقابر اللبنانية المقسمة تبرع رجل خير بأرض قرب الحدود السورية كي تكون مقبرة مختلطة للسوريين.
وفي مقبرة الفاعور وهي المكان الوحيد الذي يرقد فيها المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب وللأبد.
النساء والبنات في تركيا
إن كان الأطفال السوريون يعانون من ظروف تشبه الرق فالنساء والبنات السوريات في تركيا عرضة للإستغلال أيضا.
وأشارت صحيفة «كريستينان ساينس مونيتور» إلى أن مرتبي زواج ذوي نوايا مريبة وعصابات يقومون باصطياد النساء والبنات السوريات اللاتي يبحثن عن ملجأ في تركيا. ويتراوح الإستغلال الجنسي من زيجات غير مشروعة للعمل في الدعارة. وفي تقرير للصحيفة من غازي عينتاب وشانلي أروفا قالت الصحيفة إن النساء السوريات والبنات الفقيرات في مخيمات اللاجئين التي تنتشر في داخل المدن التركية القريبة من الحدود مع سوريا يقعن في شرك عصابات إجرام تستغل حاجتهن وتجبرهن على خيارات و يتم استغلالهن جنسيا لتصل حد الدعارة الحقيقية.
وتقول الصحيفة إن هذه الظاهرة في تزايد منذ العام الماضي، بشكل أفسد التقاليد السورية وأوجد طبقة من «الزبائن» الأتراك الذين يستفيدون من الظروف البائسة التي يواجهها اللاجئون.
وتضيف إن النساء السوريات اللاتي يقعن في شرك العصابات الإجرامية أحيانا من الأرامل الشابات والمطلقات ممن فقدت دعم عائلاتهن ولا توجد شبكات اجتماعية توفر الحماية لهن.
وفي أحيان أخرى يتم استهداف البنات الشابات وإجبارهن على الدخول في زواج مرتب أو استغلال جنسي برضا من أقاربهن. وتشير الصحيفة إلى حالة سما التي هربت من مدينتها حلب مع عائلتها، وتقيم منذ عام في فندق متهالك في غازي عينتاب.
وهي منعزلة بشكل تام عن المجتمع السوري في المدينة وتقوم بالحصول على المال لعائلتها لقاء تقديم خدماتها الجنسية.
وتنقل الصحيفة عنها قولها «عندما تطلب إمرأة سورية مساعدة، سواء كانت مالا أو عملا أو مكان للسكنى والإيجار يطلب منها تقديم شيء مقابل، شيء حرام».
و»قال لي صاحب مطعم إنه سيوظف أبنائي عنده ولكن بشرط واحد، أن أنام معه ليلة واحدة».
ويعمل زوج سما بالمياومة ويحصل مع أبنائه على 20 دولارا في اليوم لا تكفي للوفاء باحتياجات العائلة اليومية. وقصة سما واحدة من القصص الكثيرة التي سجلتها منظمات دولية عن الكيفية التي استغل فيها المجرمون أوضاع السوريين.
وسجلت لجنة الإنقاذ الدولية والأمم المتحدة إزدياد حالات الزواج الإجبارية والتحرش الجنسي بالسوريات من أصحاب البيوت ومقدمي الخدمات ومعها زاد أيضا العنف المنزلي وحرمت البنات السوريات من الحصول على التعليم الجيد والعناية الصحية. وتظل المرأة عرضة للإستغلال لأن معظم اللاجئين هم من النساء والأطفال فمن بين كل خمسة سوريين أربع نساء.
غياب معلومات
ولا تزال الإحصائيات حول وضع السوريين في المخيمات قليلة نظرا للقيود التي تفرضها السلطات التركية على المخيمات.
ورغم توفر العديد من المنظمات غير الحكومية في غازي عينتاب التي تتخذها الحكومة المؤقتة مقرا لها إلا ان تركيز هذه المنظمات هو على السوريين في الداخل وليس على اللاجئين في تركيا.
وتقول الصحيفة إن مسؤولة شؤون الأسرة في الحكومة المؤقتة لم تدخل أيا من الـ 22 مخيما التي تديرها الحكومة التركية.
ونقلت عن تغريد الحجلي التي تترأس مكتب المرأة في المجلس الوطني السوري «من الصعب الحصول على معلومات وكل ما لدينا اقوال وقصص». وتقول الحجلي معلقة على حالات الإستغلال الجنسي بأنها نتاج «للفقر والحاجة».
الزوجة الثانية
وتكشف تحقيقات ومقابلات أجرتها الصحيفة مع سوريين قرب الحدود التركية عن زيادة مظاهر تعدد الزوجات بين الأتراك والتي تحصل في ظروف احتيال. وتحظر تركيا تعدد الزوجات ويعاقب القانون من يرتكبها بالحبس مدة عامين. وهذه العقوبة لا تمنع من حدوثها حيث تلعب الخاطبات دورا في تسهيل مثل هذه الزيجات غير المسجلة رسميا. وترى الصحيفة إلى أن الفقرهو الخبز والملح الذي يتغذى عليه المفترسون. وتشيرهنا إلى حكاية أم عبدو التي كانت تعمل بائعة في حلب وأغرتها خاطبة اسمها أم خليل للجوء إلى أنطاكية.
وظنت أنها ستجد في المدينة حياة مريحة بعيدا عن صوت القنابل في حلب وستتزوج رجلا مسلما صالحا.
وتقول أم عبدو إن الرجل الذي تزوجها كذب عليها وانتهى الزواج بعد أربعة أشهر، وتعمل الآن منظفة في فندق في غازي عينتاب «لو سجل عقد الزواج لكنت حصلت على الإقامة والعناية الصحية، وليس لدي شيء». وتقول أم عبدو إن الخاطبة هي جزء من المافيا التي يعمل فيها رجال من التركمان الذين يعرفون العربية والتركية. ويشير التقرير للطريقة التي ينظر فيها للخاطبة الآن بين مجتمع اللاجئين السوريين، حيث أصبحت ذات سمعة سيئة، فهي «سمسارة» ودلالة و»تاجرة الحبايب». مما يعني أن لا أحد يريد الإعلان عن عمله في هذه المهنة، فالرجال الذي يقومون بها يعملون بالتجارة بين تركيا وسوريا أو يبيعون المخدرات كمهنة جانبية، أما النساء فيعملن بالخفاء.
وتقول الصحيفة إن عمل القواد، والخاطبة وتجار المخدرات ومهربي البشر على الحدود يتداخل مما يخلق نوعا من اللغة والمصطلحات المشتركة بينهم.
فبحسب سوري كردي « يطلق على البنات ما بين 12-16 عاما فستق حلبي، ومن في سن 17- 20 عاما كرز، وما بين 20-22 عاما تفاح، وأي امرأة كبيرة في العمر بطيخة».
لا اعتراف
وتواجه النساء السوريات اللاتي يتزوجن رجالا أتراكا بدون تسجيل العقد مشاكل فلا حماية لهن وفي حالة انجابهن أطفالا فلن يعترف القانون التركي بهم.
وفي بعض الحالات يتزوج الرجل اللاجئة لمدة قصيرة، وهذا شكل من أشكال الدعارة المقنعة حيث تجد اللاجئة نفسها في غضون أسابيع تنام في الشارع بدون حماية وتشعر بالعار.
ورغم كل هذه المظاهر السلبية إلا أن ناشطات سوريات يقلن إن زيجات مختلطة تؤدي لتحسين حالة الزوجة حتى لو لم تكن الزوجة الأولى لأن الرجل التركي معروف بكرمه ويساعد العائلات القادمة من مناطق الحرب.
وتقول نجلاء، وهي ناشطة في بلدة كلس «عندما يتزوج تركي من امراة سورية، حتى لو كانت زوجة ثانية فهو يضمن لها طعاما وأمنا لها و لعائلتها، وهذه هي الحاجيات الضرورية».
م.ت
[/FONT]