مرحلة غندور
كتبت ذات مرة عن بروفيسور غندور قلت إنه يذكرني برجل متسامح اعتاد أن يرى مواطن الجمال في الناس ولا سواها، فسأله أحد الخبثاء عن رأيه في إبليس وكان يتوقع منه ذما للشيطان لكن الرجل المتسامح فاجأ الخبيث بقوله: “يقول الناس الكثير عنه، لكن الله أعلم بسريرته”!.
احتمل غندور بجسارة القذف بالحجارة في دار حزب الأمة، فخرج منتصرا للتسامح والحوار وظلت تصريحاته السياسية تعبر جليا عن عمق ثقافة الاختلاف، ولم يقل أف لأي مخالف له في الرأي، فاكتسب قوامه السياسي صيغة طليقة لها امتداد وفضاءات ونوابض واستطاعات.
هو بالفعل رجل هذه المرحلة المفصلية، لأنه مقبول لدى الآخرين، ، ليس لأنه يتميز بصفات شخصية تجعل منه المقبولية، ولكن لانه يؤمن بحق الآخر المغاير لفكرته.
وأكاد أجزم أنني لم أطالع تصريحا له خرج عن مألوف الفكرة المتسامحة.
هذه الميزات التي تدخل في صلب تفكيره السياسي ومواقفه العامة، تجعلنا نتطلع لتسييل حالة الاحتقان وانفتاح المسدود مع كل القوى السياسية وصولا لحالة تؤمن الاستقرار وتذوب كل الخلافات سلميا.
بإمكان غندور إجراء حوار عميق مع المؤتمر الشعبي تجعل من الأخير مساهما في حل أزمة دارفور. ويبدو لي أن ذلك ممكن، بالنظر للمعطيات المحلية والاقليمية، فدولة قطر المستعدة للمضي في طريق حل الأزمة، تربطها علاقات متميزة بين الحكومة من جهة، ودكتور الترابي من جهة أخرى، وهذا ما سيقطع الطريق على أجندات إقليمية أخرى، ليست على وفاق مع الحكومة و(الشعبي).
بإمكان المؤتمر الشعبي الإسهام أيضا في الحوار مع الجبهة الثورية، في ضوء العمليات العسكرية الأخيرة التي تؤكد تقدم الجيش، وتقهقر قوات الجبهة الثورية، وصعود العلاقة مع الجنوب نحو المصالح.
أختلف كثيرا مع آخرين اعتادوا التقليل من أي تغييرات اعتاد المؤتمر الوطني على إجرائها ذلك لأن هذا التغيير فتح بابا للأمل السياسي ويفتح مغاليق ظلت موصودة.
المشكلة الآن ليست هي مغادرة الرموز التاريخية للإنقاذ، المشكلة هي ترتيب السودان ترتيبا جديدا ينهي الحروب، ويفك العزلة الدولية ويطمئن الجوار الإقليمي بما يعبد الطريق نحو مصالحه مع العالم.
هذه المشاكل كانت تتطلب إجراء عملية جراحية ناجحة، تمنح المريض الأمل في التعافي بما يمنح ذويه الثقة في تعافيه من العلة.
نأمل أن تكون مرحلة غندور، مرحلة نضج التجربة وتوقدها وصولا لحالة ترضي كل الاطراف، وتعيد الثقة بينها وتمضي بها نحو حالة التعافي المتبادل.
[/JUSTIFY]
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني