اليوناميد .. عامان من المعاناة
عام ونصف العام أو يزيد قضته قوات حفظ السلام الاممية المشهورة (باليوناميد) فى دارفور وهى تقدم خدماتها العسكرية واللوجستية والاجتماعية التى وصل مداها الى حراسة (نساء الاحتطاب) فى معسكرات النازحين وما الى ذلك .ومنذ ان وافقت الحكومة على دخول هذه القوات بعد جدل كبير مع المجتمع الدولى حول جنسياتها، حددت الامم المتحدة (26) الف جندى لانجاز مهمة مراقبة الاوضاع فى ولايات دارفور الثلاث ومنذ تلك الفترة هذا العدد لم يكتمل حتى اللحظة. وتشير المعلومات الواردة في تقارير بعثة اليوناميد اليومية الى ان عدد القوات الحالى بلغ (13,454) وهى الدفعة الاخيرة التى وصلت البلاد امس الاول من جمهورية بنغلاديش وتبقى النسبة الكلية للقوات المشتركة حوالى (69%) – أى- ان العدد المطلوب لاكتمال انتشار العملية حوالى (13) ألف جندى، ولكن واقع الحال يقول ان بعثة الامم المتحدة تواجه الآن تحديات اكبر من عملية اكتمال نشر القوات وذلك فى مايتعلق بمسألة نقص الدعم اللوجستى وندرة الطائرات الحربية التى تحتاجها فى عملية المراقبة والوصول السريع لاستجلاء الحقائق. وما يؤكد ذلك فإن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لحفظ السلام، ألان لو روى ابلغ امس الاول مجلس الامن بجملة من العقبات التى تواجه قوات حفظ السلا م فى دارفور، وقمة الحاجة تتمثل فى عدد (18) طائرة هيلوكوبتر ولكن ألان روى وصف البعثة بانها (شيال تقيلة ) مشيرا الى ان التحديات التى تواجهها هى الاكبر فى العالم وان ازمة دارفور التى وصفها بالمعقدة والتى فشل فى حلها اهل الدار والدول المجاورة – أى – (الاسرة الافريقية) هى مهمة كبيرة على حد قوله.
ويتساءل عدد من المراقبين حول فشل الدول الغربية والمجتمع الدولى فى توفير (26) الف جندى لحل ازمة دارفور معتقدين ان الازمة هى مسألة جنود تنتشر على الارض لتمنع الاحداث والهجمات المتكررة على النازحين، ولكن واقع الحال يقول ان هذه القوات اصبحت معرضة هى الاخرى لخطر الاستهداف اكثر من استهداف النازحين وتقول البعثة فى بياناتها الدورية ان عملية النهب والسلب تتزايد يوماً بعد يوم فى شمال وجنوب دارفور وان المسلحين يستهدفون فقط منازل موظفى البعثة داخل مدينة الفاشر وعرباتها فى الخارج فضلا عن ازدياد عمليات اختطاف العمال الانسانيين وممتلكاتهم فى الآونة الاخيرة.
ويعود عدد آخر من المراقبين مرة أخرى ليقول إن المجتمع الدولى ليس عاجزاً عن توفير (26) ألف جندى او مئات الطائرات، ولكن دول المجتمع الدولى اصبحت تتفرج على قوات حفظ السلام وتركتها للاستهداف لتفشل المهمة عن قصد ومن ثم البحث فى الدوائر الاممية ممثلة فى مجلس الامن ومجالس حقوق الانسان من جديد فى قرارات اخرى تحقق بها هذه الدول اهدافها، خاصة ان المجتمع الدولى كان متحمسا لارسال هذه القوات وتراجع مباشرة بعد ان رفضت الخرطوم دخول قوات اجنبية فى دارفور. وقال الفريق محمد بشير سليمان لـ «الرأى العام» إن المجتمع الدولى ممثل فى بريطانيا وفرنسا وامريكا ليس عاجزاً عن توفير هذه العدد من الجنود او دعمه ولكنه فشل فى عملية جلب قوات حفظ سلام فى السودان من قوات غربية تحقق أهدافاً خاصة بها. مشيراً الى ان الجميع سينتظر فشل المهمة لتكون السيناريوهات القادمة انسانية او حقوقية. وتشير الدلائل إلى ان حديث سليمان تصدقه اجراءات المحكمة الجنائية ولهث المجتمع الدولى فى ارجاع المنظمات الاجنبية المطرودة بعد ان ثبت تعاون الاخيرة مع الاولى وهذه التعقيدات والتقاطعات تؤكد انه لا مخرج للسودان من ازماته سواء كان بالتفاوض او بغيره.
وبالرغم من ان الاوضاع الامنية فى دارفور الآن كما تشير التقارير هى الافضل عما كان عليه فى الاعوام الماضية إلا أن عمليات التفاوض تتباعد خطوطها يوما بعد يوم. ويصف عثمان محمد يوسف كبر والى شمال دارفور الازمة بأنها لاتحتاج لمجتمع دولى ولا لقوات اممية، ولكنه يتأسف على ما بدر من ابناء دارفور انفسهم الذين جروا بلادهم الى هذا الدرك منتقدا الاعلام الذى صب الزيت على النار على حد قوله وقال كبر فى تصريحات سابقة له ان القوات المشتركة نفسها اصبحت تحتاج للحماية ولذلك على الدول الغربية ان تبحث لها عن ذريعة اخرى فى السودان . (وكلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله).
اما رودلف ادادا الممثل الخاص للامم المتحدة فى دارفور يصف اوضاع قواته بأنها تحتاج للتعزيز وذهب أدادا الاسبوع الماضى يبحث عن قوات فى مصر ولكن عزاءه فى بنغلاديش التى لم تبخل بقواتها على دارفور وجادت امس الاول بحوالى (500) مقاتل ليضع الناس استفهاماتهم: هل دارفور تحتاج لجنود من بنغلاديش؟ وهل قوات اليوناميد ينقصها الجنود فقط ؟ وماهو الدور الذى قام به حوالى (13) الف جندى منتشر الآن فى دارفور؟
ويبدو ان الجنرال ادادا اصابه الاحباط من عدم قدرة قوات حفظ السلام على تغطية ومراقبة مناطق دارفور الشاسعة وتحول من مراقب الى داعية لوقف العنف وظلت تصريحاته كالخطب السياسية ويعمل على توعية الحركات المسلحة بعبارة تحكيم صوت العقل، وان الحوار هو الطريق الأسرع للامن والاستقرار ووقف نزيف ومعاناة اهل دارفور الامر، الذي وصفه المراقبون بأنه اصبح يلعب دور الوسيط جبريل باسولى، ذلك الدور الذى فشل فيه سالم واليانسون والذى سلكت طريقه دولة قطر فى عملية أشبه بالكر والفر بين الحكومة من جهة وحركة العدل والمساواة.
ومهما تكن الظروف فيظل واقع الحال لقوات حفظ السلام فى دارفور هى المعاناة وذلك لوقوعها بين مطرقة نقص العتاد والطائرات وسندان ازدياد الاستهداف على جنودها وعرباتها والدليل كلما وقعت كارثة على قوات البعثة المشتركة كلما ظهر فى الاعلام ناطقها الرسمى نور الدين المازنى يهتف بعبارة ندين ونستنكر ونشجب وما الى ذلك .
لكن هذه المرة ظهرت معاناة جديدة بعد توتر النزاع فى الحدود مع تشاد الامر الذى جعل البعثة تطالب المجتمع الدولى باستكمال عدد القوات واستعجال توفير الطائرات لانقاذ المهمة.. المهمة التى يتجاهلها المجتمع الدولى والتى يرى فيها الفريق سليمان جنود قوات حفظ السلام بانهم ضحايا لتقاطعات المصالح الدولية. مشيراً الى ان القوى الدولية المتصارعة على موارد دارفور لم تتفق حتى الآن على إنهاء النزاع وان عناصر النزاع المتمثلة فى الحركات المسلحة وتشاد وغيرها ليست الا ادوات تحركها أصابع اللعبة الدولية، ويخلص القول الى ان معاناة نازحى دارفور ومعاناة جنود قوات حفظ السلام جعلت من الجميع (فى الهم شرق) وذلك من خلال واقع تفرضه السياسة الدولية على الجميع هناك.
خالد فرح :الراي العام