الشعبية والأحزاب :استراتيجـيـة تحالـف…أم تـكتيكات سيــاسيـة
تستعد جوبا الايام القادمة لاحتضان أكبر تجمع حزبي بعيداً عن الخرطوم، بعد أن قدمت الدعوة لكل الاحزاب السياسية، ويبدو أنها موعودة بتظاهرة سياسية ربما تشكل مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات بين القوى السياسية التى يبدو أنها الأقرب لنسج تحالف انتخابي، في مواجهة المؤتمر الوطني الذي سبق أن أعلن ان القوى السياسية اصطفت لمنازلته في الانتخابات.
من جهتها أحزاب المعارضة التى استجمعت صفوفها بداية الاسبوع الحالى بدت الأكثر حماساً للدعوة التى يمكن ان تقربها أكثر من الحركة الشعبية التى شاركتها لقاءها التحالفى الانتخابي، فقد بدأت تلك الأحزاب الأكثر حاجة لجهود الحركة الشعبية وكسبها الى جانبها بعد أن تباعدت مواقفها مع شريكها المؤتمر الوطني واقتربت مواقفها من القوى المعارضة، في وقت بدأت فيه الاحزاب البحث عن خارطة تحالف للانتخابات المقبلة، حيث شهدت الساحة السياسية حراكاً واسعاً الاسابيع الماضية، بعد اكتمال عملية تسجيل الاحزاب وعقد بعض المؤتمرات الحزبية، لتتوج الاسبوع الماضي الذي شهد حركة لقاءات دؤوبة بين القوى السياسية المختلفة لتنشيط حركتها وبحث وسائل تحالفها في الانتخابات القادمة.
وسط هذا الحراك السياسي طرحت الحركة الشعبية على القوى السياسية دعوة للالتقاء بجوبا لبحث مختلف القضايا، وقالت على لسان باقان اموم في لقائه بالدكتور الترابي لتقديم الدعوة له، ان الاجتماع المزمع عقده بجوبا لبحث قضايا الحريات والانتخابات والأزمة بدارفور وترتيبات حق تقرير المصير، الى جانب الوصول الى تفاهم بين القوى السياسية لتطوير فكرة تحقيق الوحدة الجاذبة مع احترام حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم. ولكن كيف تبدو مخرجات لقاء جوبا المرتقب بين القوى السياسية المعارضة والحركة الشعبية، بعد تلميح المؤتمر الوطني لمقاطعته، وهل ينجح في الخروج بخارطة تحالف انتخابية بين المؤتمرين، ام ان الحركة الشعبية تريد ان تستقوى به لمواجهة شريكها المؤتمر الوطني. ويأتى لقاء جوبا في وقت تزداد فيه خلافات الشعبية مع شريكها في الحكم المؤتمر الوطني، حول تعديل القوانين في البرلمان الذي شهد انسحابين لكتلة نواب الحركة الشعبية من جلسات مناقشة قانون الصحافة والقانون الجنائي، وبدأ الخلاف يتعمق بين الشريكين بعد رفض الحركة الشعبية لنتيجة التعداد السكانى الذي أعلن مؤخراً، والذي شهدت بعده العلاقة بين الشريكين حربا كلامية واتهامات واتهامات مضادة.
وبحسب مراقبين فان لقاء جوبا سيحدد وجهة الحركة الشعبية الانتخابية وتحالفاتها القادمة، وما اذا كانت ستخوض الانتخابات مع المؤتمر الوطني أم أنها ستكون في مواجهته، حيث يذهب متابعون الى انه رغم حالة العداء والخلاف البائن بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، الا ان الشعبية مازالت متنازعة بين رؤيتين داخلها لم تحسم بعد فيما يتعلق بمستقبلها السياسي وطبيعة تحالفاتها، الرؤية الأولى يقودها تيار القوميين الذي يري ضرورة التركيز على قضايا الجنوب سواء كان دولة مستقبلا أو في اطار الدولة الواحدة، وهذا التيار لا ينزع كثيراً لمواجهة المؤتمر الوطني بل يحبذ التنسيق والتفاهم التام معه حتى يخلو لهم الجنوب، أما التيار الثانى فهو تيار الأيدولوجيين وهذا التيار يتبني طرح السودان الجديد ويسعي لطرح قومى على ذات الخط الذي كان يسير عليه الدكتور جون قرنق، ويسعي هذا التيار الى احداث التغيير والسيطرة على كل السودان، وتناصب قيادة هذا التيار المؤتمر الوطني العداء ويرون انه العدو الأول في طريق السودان الجديد، ويسعي هذا التيار الى الانفتاح شمالا على القوى السياسية المختلفة ومحاولة التقارب معها في مختلف القضايا خاصة تلك التى تتفق مع توجهات التغيير في السودان.
أما المؤتمر الوطني الذي بدا زاهداً في لقاء جوبا، ووصف نتائج اجتماع المعارضة قبل ثلاثة ايام والذي شاركت فيه الحركة الشعبية بأنه محاولة للتنصل عن الانتخابات، فقد قال البروفيسر ابراهيم غندور، برفض حزبه المشاركة في لقاء جوبا الذي دعت له الحركة الشعبية مبررا الرفض بوجود لجان مشتركة للحوار مع كافة القوى السياسية. ويبدو ان المؤتمر الوطني يأس من جدوي التحالف مع الحركة الشعبية التي كثيراً ما يصفها بالتناقض في لعبها لدوري الحكومة والمعارضة، كما أن تقييمه لشراكته معها رغم اعلان تمسكه باتفاقية السلام يصعب من عملية التحالف بينهما، وكانت ورقة سياسية قدمها القيادي بالمؤتمر الوطني سيد الخطيب للمؤتمر الثاني للمؤتمر الوطني في دورته التنشيطية في نوفمبر 2007م بعنوان «السلام والوحدة الوطنية» ابان تجميد الحركة الشعبية لعمل وزرائها في الحكومة الاتحادية، حيث أشارت الى الاختلال فى فهم الشراكة بعد ان صنفتها الى مستويين مستوى الشراكة السياسية ومستوى الشراكة من أجل الوحدة، وذهبت الورقة الى ان الحركة الشعبية لا تنظر للشراكة كوسيلة مثلى لتحقيق برنامج مشترك ولا على أساس أنها مؤسسة يمتلكها الطرفان، بل تنظر الحركة للشراكة وكأنها جائزة تمتلكها هى ويمكن أن تمنحها للمؤتمر الذي يريدها مقابل تنازلات من جانب أو ثمن يدفعه، وخلصت الورقة الى أنه يجب أن لا ترفع مستويات الشراكة الا بعد الاطمئنان على صحة الفهم لها، غير أنها أشارت الى أن الحد الأدني من الشراكة وهو الشراكة من أجل رعاية المواثيق يجب ألا يمس. ولكن الورقة اشترطت الشراكة بافتراض تحقيق أى من المستويين للشراكة أو كلاهما ليمكن بعد ذلك الحديث عن استراتيجية موحدة للانتخابات العامة أو التنسيق على الأقل، لأن نتائج الانتخابات اذا غيرت توليفة الحكومة تغييراً جذرياً فيمكن أن تتعرض الاتفاقية للنقض والدستور لتعديل جذري وهذا فى غير مصلحة الطرفين والى غير مصلحة السودان. ويبدو ان مجريات العلاقة بين الشريكين تمضي باتجاه التباعد في المواقف أكثر من التقارب الذي يجمعهما عبر اتفاقية السلام الشامل.
اذاً فان تباعد المواقف بين الشريكين يقرب الحركة الشعبية أكثر ناحية القوى السياسية، في وقت تتبلور فيه مواقف تلك القوى حسب بعدها وقربها مع المؤتمر الوطني. فلقاء جوبا القادم والذي يجد التأييد من الدكتور حسن الترابي ومؤتمره الشعبي يبدو ان حرارته ستغطي على برودة الطقس في الاستوائية، لأن الشعبي يذهب لجوبا وفي نفسه شئ من حتى، فالشقة بينه وبنيه في الوطني اتسعت، فالشعبي الذي اكتوى بجحيم بنيه في «الوطني» كل تحركاته في اتجاه الحركة الشعبية ينظر لها من باب المكايدة السياسية للوطني، لاعتبار ان الحركة أقوى الفاعلين علــى المسرح السياسي، وأنها ممسكة بكثير من الخيوط التي يمكن أن تغير بها ممارسات شريكها في قضايا الحريات والتعددية والقوانين المقيدة للحريات التي اصطلى بنارها الشعبي بعد انفصاله الشهير عن الوطني. وان كان الشعبي سيذهب لجوبا غاضبا من بنيه في الوطني والبحث عن مخلص جديد، فان الحزب الشيوعي الذي سيرافق طائرة القوى السياسية الى جوبا، بحسب مراقبين بأنه ظل يحتفظ بمساحات بينه وبين الحركة الشعبية ليس حباً فيها، ولكنه يتخذ منها خميرة عكننة للإسلاميين الاعداء التقليديين له، فهو دور مطلوب ومرغوب أن تلعبه الحركة لتعزيز وجودها وان لم يكن لصالح الشيوعي.
ولأن كل المؤشرات تصف لقاء جوبا بالفرصة الكبري للقوى السياسية لتستكشف من خلاله مواقفها لبلورة المفاهيم المشتركة التي تضمن الحد الأدنى من التحالف على الأقل في الانتخابات القادمة، ولكن يبدو موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي «مرجعيات» تتجاذبه كثير من التقاطعات الداخلية، فالحزب لديه علاقة ممتدة مع الحركة منذ اتفاقية «الميرغني قرنق» 1988م بأديس أبابا مروراً بالعمل المشترك في التجمع الوطني، ويكاد يكون موقف الحزب الاتحادي رغم قربه من الحركة الشعبية الأكثر ارباكاً للمتابعين في الساحة السياسية حيث يكتنف الغموض موقف تحالفاته القادمة من واقع الخلافات التي يعيشها داخل قياداته التي يجذبه بعضها ناحية المؤتمر الوطني والبعض ناحية الحركة الشعبية وثالثة مع القوى السياسية، ولا يزال الاتحادي يغازل الوطني والحركة. حيث نفي بالأمس على لسان عثمان عمر الشريف وجود تحالف حقيقي للمعارضة مؤكدا ان هناك تجمعاً يقوده المؤتمر الشعبي وحزب الأمة القومي انساقت وراءه بعض احزاب التجمع الوطني ووصفه بأنه تفتيت لقوة المعارضة، وقال ان حزبه لا يمكن ان يلعب دوراً مزدوجاً بين المعارضة والحكومة التى هو حزء منها. أما حزب الأمة القومى بزعامة الصادق المهدى فلا يقل توهاناً عن الاتحادى، فهو يتحدث مع المعارضة والتحالف معها ويحتفظ بوثيقة اتفاق بينه والمؤتمر الوطني «التراضي الوطني» في وقت يشهد فيه الحزب حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة الخلافات التى ضربته بعد مؤتمره العام السابع، ولكن مراقبين يرجحون تحالفه مع الحركة الشعبية في الانتحابات القادمة لعدة مكاسب ظل الحزب يحتفظ بها.
اذاً ايام وتعلن لجنة ملتقى جوبا موعد انطلاقته، والساحة السياسية تراقب وتنتظر مخرجاته، فهل ينجح في تجميع بيض القوى السياسية في سلة واحدة في مواجهة المؤتمر الوطني، أم أنه سيعمق خلافاتها ويباعد بين مواقفها؟!!.
خالد البلولة إزيرق :الصحافة