رأي ومقالات

عبدالباقي الظافر: إعدام ضابط …!!

في مستهل السبعينيات انشغلت الخرطوم بحادثة إعدام ضابط في السلاح الطبي.. وتعود التفاصيل إلى أن الضابط الطبيب تحت وطأة الغضب قام بإحراق متجراً يملكه ويستأجره آخرون.. وقتها كان القانون يقف بشكل مطلق مع المستأجر.. النيران لم تأكل فقط المتجر بل أزهقت أرواحاً بريئة كانت داخل ذلك المتجر.. انتهت القضية وبعد فاصل طويل من التقاضي إلى إعدام ذاك الضابط الشاب.. رغم تدخل الوساطات تم تنفيذ الحكم.. بعد أكثر من عشرين عاما من تلك الحادثة زاملت بجامعة الخرطوم كريمة ذاك الضابط.. كانت هذه الطالبة مثالية في كل شيء غير أن مسحة حزن لم تفارق وجهها أبداً.

أمس الأول أسدل الستار على قضية مقتل المرحومة عوضية عجبنا.. قال القضاء كلمته في هذه المرحلة وأدان الضابط الذي أطلق الرصاص، بالموت شنقاً.. كما كانت المرحلة الأولى صعبة ومحفوفة بالهواجس والشكوك على أسرة القتيلة.. انتقل الإحساس بذات الصخب إلى جهاز الشرطة.. كل الضباط ربما يضعون أنفسهم في ذات مكان الملازم حامد علي حامد.. هنالك لحظة فاصلة لأفراد القوات النظامية أما أن ترمي أو ترمى.. تقدير موقف مطلوب في كسر من الثانية.. ثم بناء على ذلك مطلوب تصرف سريع.. بمعنى ذات الضابط كان يمكن أن يعرض على محكمة شرطية بتهمة التقاعس في أداء الواجب وتعريض القوة التي يقودها للخطر.

في تقديري أن القضية منذ لحظتها الأولى تعرضت لتسيس مدمر.. اضطر الحزب الحاكم أن يبرز بطاقة عضوية المرحومة عوضية عجبنا وهي ترتدي الزي الإسلامي.. السياسة خالطتها الجهوية والقبلية.. حتى أن ساسة بحجم العميد إبراهيم نائل إيدام، وجدوا في القضية سانحة للإطلالة على الإعلام وتسجيل مواقف سياسية.. الإعلام قام بدوره في تأجيج المشاعر وبات خبر قتيلة الديم منشيت ثابت في الصفحات التي تعنى بأخبار الحوادث.. مثل هذه الظروف تلقي بآثار سالبة في تحقيق العدالة.

في تقديري نالت أسرة المرحومة عوضية ما تريد عبر إدانة قاتل ابنتهم عبر القضاء.. الإدانة هنا هي براءة لابنتهم.. لهذا في تقديري أن الوقت مناسب ليتحرك رموز المجتمع وحكمائه في اتجاه طلب العفو.. هذا الملازم حامد علي حامد، لا تربطه معرفة عدائية بهذه الأسرة.. اغلب الظن أنه أخطأ في توقيت إطلاق النار.. في دول كثيرة أكثر تطورا عندما يحدث سوء تفاهم بين الشرطة ومواطنين غاضبين يستدعي جلب تعزيزات إضافية هنا لا تسند كامل مسئولية القيادة للذين شاركوا في المرحلة الأولى. هنا يفترض واضعو القوانين أن المشاركين في الجولة الأولى تكون دوافعهم ثأرية وشخصية.. هذا يعني أن الشرطة كجهاز تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية.. حتى الجرعات التدريبية لضباط يافعين ليست بالمستوى الكاف الذي يجعلهم يتصرفون بحكمة في مثل هذه المواجهات.

أسوأ مافي حكم الإعدام أنه غير قابل للنقض حتى وإن توفرت أدلة جديدة.. لهذا السبب التمس من جميع الأطراف أن تجعل القضية الآن في إطارها الشخصي.. الاستثمار السياسي لن يولد إلا مزيدا من الكراهية.

في مدينة بوسطن الأمريكية ألقى شرطي أبيض القبض على رجل أسود كان يحاول دخول بيت من النافذة.. الحقيقة أن الرجل المقتحم لم يكن لصا بل مالك للدار فقد مفتاح البيت.. هاج الإعلام خاصة أن المتهم بسرقة بيته كان رمزا في المجتمع الأسود وزميلا للرئيس أوباما في جامعة هارفارد.. الرئيس أوباما وقع في المصيدة عندما وصف تصرف الشرطي بالغباء.. انتهت تلك الأزمة المجتمعية بكوب من القهوة في البيت الأبيض.. الرئيس أوباما دعى طرفي النزاع الى مقر إقامته في البيت الأبيض.. أسدل الستار بمصافحة وصورة تاريخية.

عبدالباقي الظافر- التيار

‫5 تعليقات

  1. الأستاذ عبدالباقي ما تحاول تتدافع أو تبرر لهذا الضابط, إذا كان أخطأ لماذا لم يحاول اسعافها بل أمر بقية الجنود بعدم مساعدتها حسب الرواية, فهذا يدل علي أنه قتلها بدم بارد.

  2. المشكلة لبست في اعدام الضابط فقد قال القضاء كلمته وانتهي الامر ونأمل في ان يعفو اهل القتيلة فالعفو من شيم الكرام
    المشكلة في وزارة الداخلية بكاملها تحتاج لإعادة هيكلة ومحاربة الفساد والرشوة التي انتشرت بصورة مخيفة وتأهيل منسوبي الشرطة هذا الجهاز الهام والذي يسهر افراده لينام المواطن أمنأ
    المفروض ان المواطن عندما يري الشرطي يشعر بالامان وليس العكس كما عندنا فالشرطي يتعامل مع المواطن وكأنه لا شئ ويمارس فيه كل انواع العذاب والعنجهية ناسيأ انه يجب ان يكون مصدر طمأنينة له

    نتمني ان نفتخر ونعتز بشرطتنا وكل منسوبي الاجهزة الامنية وليس العكس

  3. عزيزي الظافر، للأسف ولأول مرة أشعر بأن قلمك تعمد البعد عن الحقيقة وذهب لتبرئة القاتل رغم قناعتك الداخلية بتوفر كل مقومات القتل العمد وبدم أكثر من بارد، وما مقدمتك وخاتمتك الطويلتين إلا محاولة يائسة للتشكيك في صحة الحكم وعدالة المحكمة بالإضافة لإيجاد مخرج للقاتل. وعندما تقول “أن هناك لحظة فارقة…….إما أن ترمي أو أن ترمى” تحاول لي~ عنق الحقيقة وايهام القارئ بأن الضابط القاتل كان تحت تهديد السلاح وأن المجني عليها كادت أن ترديه رمياً بالرصاص لولا أن بادر هو بالرمي!!!!!!
    أجزم بأنك تعرف تماماً أن القاتل لم يك مهدداً ولم يك مرغماً لإطلاق الرصاص، بل جاء للمرة الثانية -وليست الأولى- بعد أن استعان بمزيد من الجنود والقوة، وبعدما فعل فعلته أمر جنوده بالركوب عند محاولتهم إغاثة المرحومة وطلب منهم المغادرة بينما القتيلة تسبح في بحر من دمائها.
    وكلما تحاول استحضار أمثلة لحالات مشابهة، كلما بعدت عن الحقيقة. أين وجه الشبه في حالة الضابط المرحوم بكار عندما أحرق الدكان بما وبمن فيه وأين وجه الشبه في من أشتبه فيه بأنه لص يتسور منزلاً؟ وأين المصيدة التي وقع فيها أوباما بوصفه لغباء البوليس؟ كل ما ذكرت لا توجد فيه لحظة فارقة. أما وصف أوباما لفعل شرطيه بالغباء فهو أقل ما يمكن وصفه به. وهل يستحق اللص وأعني اللص الحقيقي أن يقتل لمحاولته السرقة؟ كان أمام الشرطي الكثير دون القتل لكي يفعله كما كان لبكار الكثير ليفعله دون الحرق وكان لضابطنا الصغير أيضا الكثير ليفعله دون القتل.
    كان عليك فقط التركيز والحث على أسرة الشهيدة بأن تقبل العفو بعدما تأكد لها أن دم ابنتهم لم يهدر، وهذا أمر آخر لا علاقة له بكل المداد الذي دلقته. ” ولكم في القصاص حياة” صدق رب العزة والجلال.

  4. ما شاء الله إنت قريت في جامعة الخرطوم !!! وما قلت لينا تخرجت (في) جامعة الخرطوم .. عينا باردة عامل جوالك العاجبك ده