رأي ومقالات

د. ربـيع عبـد الـعـاطـي عبيد : الازدواجية بين الحزب والدولة

[JUSTIFY]* بعد اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني وإثر ترقب من قبل ليس عضوية الحزب فحسب، بل من معظم شرائح الشعب السوداني، كانت الملاحظة الأولى بأن أشخاصاً تم تكليفهم في وقت سابق في مواقع تنفيذية وزارية، قد أغرقت بهم مجدداً هياكل المؤتمر الوطني، بدءاً من مجلس شوراه ومكتبه القيادي، وقطاعاته وأماناته، وهذا الإجراء لا يعرف عما إذا كان مقصوداً في حد ذاته ليصبح الشخص هنا وهناك فلا يتيح لكادر آخر أن يفكر، أو يلزمه بما لا يرضى منعاً للازدواجية في رسم السياسة وإتخاذ القرار، كما يبرر البعض هذا المسلك، أم أن وراء تلك الخطوات خطة لسحب هؤلاء من الجهاز التنفيذي، وإبدالهم بكفاءات جديدة، ولا سيما بأن مستودع المؤتمر الوطني مليء بالنفائس وزاخر بالرجال أهل الدربة والخبرة، ومن آتاهم الله الحكمة وفصل الخطاب.
* وفي ختام اجتماع المكتب القيادي، صرح نائب رئيس الحزب البروفسور إبراهيم غندور بأن ملء هياكل المؤتمر الوطني، قد استصحبت فيه ضرورات التجديد والقدرات السياسية، من أجل السير قدماً نحو تنفيذ وثيقة الإصلاح التي تعهد المؤتمر الوطني بها منذ أكثر من عام.

* والذي لم يقله نائب رئيس المؤتمر الوطني في تصريحه، بأن وثيقة الإصلاح قد نصت على عدم تكرار الوجوه، أو إسناد مناصب عديدة لرجل واحد، علماً بأن هذا التكرار قد ظهر بالمرور على معظم الأسماء التي وردت خاصة أولئك الذين يشغلون أكثر من موقع، وقد كلفوا بأكثر من تكليف، مع أن حواء المؤتمر الوطني ولودة ولها من الأبناء الذين لا يشق لها غبار.
* وحسناً ذلك الذي تمّ عندما ضخت دماء جديدة بالمكتب القيادي والقطاعات والأمانات، خاصة أن نسبة التجديد كانت عالية، ولكن ما عاب ذلك هو استيراد عناصر التجديد من الجهاز التنفيذي، وليس من عضوية المؤتمر الوطني المنبثة في كل الأنحاء والمعروفة بحنكتها وسيرتها التاريخية منذ زمن المعتقلات، وساحات الحرب، واتحادات الجامعات. والملاحظة الأخرى، بأن تواصل الأجيال في ملء هياكل الحزب، قد تجاوز أكثر من جيل، كأنما أن الإجراء لم يخضع لمعايير التواصل، بقدرما شبهه لي أحد الإخوة، بأن مهندسي التنفيذ في المؤتمر الوطني، قد تعاملوا مع هذه المهمة، بمثل الطفل الذي تسأله عمن تحب أمك أم أباك، فيقول أبي، فإذا عكست السؤال من تحب أباك أم أمك فيقول أمي، وهذا يعني بأن الطفل لا يذكر من يحب إلا بآخر كلمة وردت في السؤال. وذات الممارسة التي اقتضت المراجعة، حدثت بالولايات، فكان التنافس على ترشيحات الولاة مختصراً في الموجود والمتاح للعين، بغض النظر عن كفاءته، ودون أي اعتبار لكوادر أخرى قادرة لكنها بعيدة عن النظر، وما كنا نود أن تصيب ذات العدوى بمن يمسكون بأعنة القرار في أيديهم، فتحجب عنهم الرؤيا، فيصعب عليهم تجاوز الذين يرونهم فقط يمشون بينهم، ولا يتذكرون أولئك الذين يطأون الجمرة، ويتنادون عند مداهمة الخطر، لكنهم يقلون عندما يتكالب من أصيبو بداء الطمع والجشع.

* والكثير من عضوية المؤتمر الوطنى يقولون بأن تمرين انعقاد المؤتمر العام الرابع كان تمريناً هاماً لمعرفة مدى الالتزام بوثيقة الإصلاح، ومدى الانحراف عنها، ولقد ظهرت في ذلك التمرين جوانب للضعف، وخاصة ما يلي الشورى وتوسيع مواعينها، وكان ينبغي ألا نسمح لهذا الضعف بالتمكن أثناء التمرين الثاني الخاص باستكمال الهياكل، وإسناد المسؤوليات، ولكن العزاء في أن التمرينين قد صاحبهما جهدٌ لا يمكن التقليل منه والعبرة ليست بالمقدمات لكن بالنتائج والخواتيم.
* وهناك تمرين ثالث، وهو الذي سيوضح الصورة الكلية عندما تسقط على وثيقة الإصلاح التي بها التزم المؤتمر الوطني كميثاق غليظ.
* وذلك التمرين ستتضح من خلاله الكثير من المعالم، وستكشف لنا، الإجابات الشافية لعدد من الأسئلة.
* هل سيتم اختيار الحكومة القادمة وملء وزاراتها بأشخاص أكفاء، أم أن التكرار وازدواجية التكليف ستكون هي المسيطرة، وتصبح حينئذٍ وثيقة الإصلاح عقداً فاسداً، ووثيقة مضروبة في العنق، ومبقورة في بطنها بخنجر مسموم.
* ودعونا نراقب، ومن طرفنا سيكون الضغط والإصرار على تنفيذ وثيقة الإصلاح من الغلاف إلى الغلاف.

صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]