رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : المقترح السوداني لحل الأزمة الجنوبية

[JUSTIFY]حتى إذا كانت الحكومة السودانية تعي بما تفعله ضدها حكومة جوبا الآن رغم ما تواجهه من أزمة أمنية حادة تهدد وجودها أمام غضبة قبيلة النوير التي يحركها زعيمها السياسي الدكتور رياك مشار وهو زعيم يكسب وسط قبيلته شرعية أسطورة الكجور وباعتراف بريطاني طبعاً، والقصة معروفة ومفهوم الهدف البريطاني الفتنوي من ورائها، حتى إذا كانت حكومة الخرطوم تعي كل شيء يحاك ضد البلاد من قبل جوبا، فهذا لا يجعل الحمق يجد إليها سبيلاً وتتعامل برد الفعل، فهي ليست مثل حكومازت قضت نحبها ومنها من ينتظر، مثل حكومات صدام والقذافي والأسد، وترفض أن تقوم بدور الوسيط الذكي لحل مشكلة دولة الجنوب.
نعم إذا كانت جوبا رغم إغراقها في أزماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية تستمر في دعم قوات عقار والحلو حتى لا يستفيد السودان مما تعيشه الدولة الجديدة من حروب وفتن قبلية، ويوفر فاتورة الحرب للمشروعات التنموية وارتفاع قيمة الجنيه واصلاح الميزان التجاري واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل تصدير الاستثمارات الوطنية إلى الخارج لتحسين علاقات التبادل الاقتصادي بين الوطن وبعض الدول الأخرى مثل موريتانيا وإثيوبيا، فإن الخرطوم تتعامل مع كل وضع في مساره دون توحيد المسار لكل الأوضاع. وجنوب السودان دولة مستقرة سياسياً وأمنياً، وهذا يعني أن تكون أكثر تهيؤاً لدعم المتمردين في الجبهة الثورية، وهم مع الاستقرار السياسي يجدون هناك الأمان لمعسكراتهم فلا تستهدفها قوات النوير.. بعد أن يحظى زعيم النوير السياسي بمنصب رئيس وزراء وربما تقلد معه منصب وزير الدفاع محاكاة لعبد الله خليل والصادق المهدي.
لكن رغم ذلك فإن حكومة الخرطوم حسب ميزان المصالح والمفاسد لديها على ما يبدو تريد أن تكون دولة جنوب السودان بالاستقرار الأمني أكثر تهيؤاً لإنتاج وتمرير النفط عبر السودان، وأكثر تهيؤاً للحوار من أجل حسم القضايا العالقة واستمرار الاستفادة من المراعي الصيفية للماشية السودانية داخل الجنوب. فقبل اتفاق نيفاشا كانت هذه المراعي آمنة طبعاً، لكن بعد هذه الاتفاقية وتراجع السيادة الوطنية إلى حدود عام 1956م أصبحت مخاطرة للرعاة السودانيين.

إذن ليقدم السودان مقترح حل يرضي الطرفين في أهم دول الجوار من الناحية الاقتصادية، فنحن في السودان نستفيد من الجنوب اقتصادياً ومصر باحتلالها حلايب تعطل استثماراتنا المعدنية هناك، وهي دولة دكتاتورية ذبحت فيها الديمقراطية بسكين ليست حادة فكان الذبح موجعاً جداً. إذن الجنوب رغم الدعم لعقار والحلو ـ وهذا سيزول قريباً ـ يبقى هو الأهم بين دول الجوار، ومن هذه الناحية يستحق من الخرطوم «مقترح الحل التوفيقي» على الأقل لحقن دماء النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء.. وهذا موقف تمليه الشريعة الإسلامية حتى ولو كان لصالح غير المسلمين، وباقان أموم ودينق ألور يفهمان هذا جيداً لأنهما كانا من المسلمين وأصبحا من المرتدين، أما عرمان فلا يُسأل لأنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

إن «ديك المسلمية» لا يفهم ماذا يريد، ويكتفي فقط بأن ينتقل من عضوية قيادة تمرد إلى آخر حتى يفنى عمره. والحل الذي تقدمه الخرطوم يراعي على ما يبدو ضرورة استبقاء سلفا كير في منصبه كرئيس ورمز للسيادة، ومنح مشار كرجل قبيلة مؤثرة، وقد اصبح مشهوراً وسطها وموعوداً بأسطورة الكجور، منصب رئيس وزراء «رئيس الحكومة». وإذا كان الطرفان قد رضيا بهذا المقترح كما تقول الأخبار فإن جولة العدوان التي بدأت بتقليص صلاحيات مشار حينما كان نائباً للرئيس، ثم تطورت إلى إبعاده ثم محاربته، إن جولة العدوان هذي يكون الخاسر فيها سلفا كير والمستفيد هو رياك مشار، فقد أصبح إذن رئيس الحكومة. لكن هل ترى إذا ادخلت هذه الصفقة حيز التنفيذ هل سيتسطيع رئيس الحكومة الجديد مشار احتواء آثار وتداعيات تطورات جولة العداون التي أخذت بعداً قبلياً؟!

إن العدوان بين رجلين دق إسفيناً بين قبيلتين، ونزع هذا الإسفين يتطلب أن يتصافح الرجلان ويتعانقا تحت الأضواء الإعلامية أمام أبناء القبيلتين خاصة المقاتلين وحملة السلاح فيهما، سواء كان سلاحاً رسمياً أو قبلياً. وبهذا يمكن أن نقول إن الأمور عادت إلى المربع الأول، لكن بغنمية سياسية كسبها مشار وبانتقاص تنفيذي مُني به سلفا كير.

خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]