د. ناهد قرناص: العمالة الاجنبية في السودان ملف شائك وذو دهاليز
عندما مررت بالقرب منه كانت (المظ) تتناول منه مجموعة من الاكياس الممتلئة بانواع من الخضار ..هو يثرثر بأشياء مختلفة وهي لا تلقي له بالا فهي بدورها تثرثر بالامهرية بالتلفون الذي تضغط عليه بكتفها بما ان يديها مشغولتين اولته ظهرها ودخلت.. بينما اتكأ هو على حافة العربة في حالة انتظار ..حييته وسالته (منتظر شنو يا عم خضر ..الزولة شالت خضارها ودخلت )..ضحك وقال لي ( منتظر حكم القوي ..يوزنوهو في ميزان المتبخ بعدين يدوني قريشاتي ..والشقية دي ما اظنها سمعتني قلت ليها القريشات كمهن..تتحدث في مقطوع الطاري دا).
لم أستطع منع الضحكة التي أفلتت مني ..عفيت منها تلك القادمة من الشرق الأقصى (الطباخة مادلين) فقد فرضت شروطها بوزن الخضار وفحصه ومن ثم اعطاء النقود …وجاري التنفيذ . اما (ألمظ) او الماظة الاثيوبية فهي تحلق في ملكوت الموبايل كمثيلاتها من العاملات الاثيوبيات في المنازل ..طوال الوقت و(مقطوع الطاري) دا في اذانهن ..حتى تساءلت في حسد هل يستخدمن ذات الشبكات السودانية؟ ام ان هناك شئ لا أعلمه؟؟؟.
العاملات الأثيوبيات أصبحن واقعا معاشا وتمددن بدون ان ننتبه في داخل المجتمع السوداني حتى صار غيابهن استثناء ..وما أبرئ نفسي. وكلو كوم وهذا الذي يدعى الوسيط او (السمسار) كوم تاني …
كنا في الماضي أذا أردت استخدام احداهن ..ما عليك الا ان تتصلي بقريبتك تلك التي رأيت عندها من سرتك خدمتها وتوصيها باحضار اختها …..ولكن اليوم اذا أردت استخدام احداهن ..ابحثي عن رقم الوسيط اولا ..وكل وسيط وبتمنه..تتصلي عليه ليسالك سؤال (نكير) ..بيت ولا شقة؟؟ شغالة انتي ولا قاعدة في البيت ؟؟ عندك كم غرفة في البيت .كم طفل ؟؟ عايزة مكوة؟؟ عايزة مساعدة في مطبخ؟؟ ..ومن ثم ينهي مكالمته بعد ان يضع لك مبلغا محددا ياخذه هو مقابل احضار العاملة.
كل المفاوضات التي اجريتيها في التلفون …تبدا مرة اخرى معها شخصيا وبعد ان يتم الاتفاق …تبدأ التغلغل في حياتك وفرض وجودها وتصبح شيئا لا يمكن الاستغناء عنه ونبرمج حياتنا على جدول اجازاتها ..ومن فجاة تختلط المفاهيم …وتكثر المحاذير وتأتي لحظات نقول يا ريت اللي جرى ما كان .
رؤية (ألمظ) وهي تتحدث بالموبايل ..أعادت الى ذهني رسالة اتت الي في الواتساب تدعوني الى الانضمام الى مجموعة من نساء غاضبات على (افتراء ) العاملات الاثيوبيات وينادين باتخاذ خطوات متشددة بلهجة يغلب عليها الحنق….يردن رفض تدخل السماسرة والعودة الى المربع الاول في الاجور وكذلك ان تصبح الاجازة شهرية لا يتم اي استثناء لأي ظرف من الظروف..
كذلك تحديد المكالمات بالساعات وخصم مبلغ شهري يمنح كل ثلاثة اشهر ومرسل المقال يقترح كل عام. قرأت المقال الواتسابي عدة مرات واعتقد ان اتخاذ خطوات جماعية للحد من تغلغل العاملات الاجنبيات شئ جيد في حد ذاته ولكني اختلف مع المقال في هذا التعسف في الاجر وكذلك ايام الراحة التي يجب ان تكون مرتين على الأقل في الشهر ….فهم بشر وليسوا بالات وكذلك لابد من ملاحظة انخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الذي تريد العاملة تحويله الى اهلها .
الشئ الذي يقلقني في العمالة الاجنبية ليست السمسرة وان كانت مرهقة (وبعض السماسرة يحتالون فيخرجون الفتاة من عملها في بيت وارسالها الى اخر فقط لياخذوا حق السمسرة ) ..ولا الحديث الهاتفي المتصل وان كان مزعجا…
ما يقلقني هو اننا نفتح لهم بيوتنا بدون ان نتاكد من خلوهم من الامراض المعدية وبدون ان نتاكد من اوراقهم الثبوتية ..بل حتى لا نتتبع مسيرتهم داخل السودان والمنازل اللاتي عملن بها من قبل. اعتقد انه يجب مطالبة الوسيط الذي يشترط هذه المبالغ ان ياتيني باوراق ثبوتية لها وان اخذها الى اقرب معمل لفحص الامراض المعدية والتاكد من خلوها منها وكذلك اطالبه (بفيش وتشبيه ) الشرطة ومن ثم اعطيه ما يطلب بعد قضائها فترة اسبوع تحت المراقبة مع ضمان تغييرها لو لم يوافقني عملها.
العمالة الاجنبية في السودان ملف شائك وذو دهاليز ..الشئ المشترك فيه هو عدم التنظيم عامة وافتقاد المنهجية في التعامل ..ففي كل البلاد الاخرى يوجد نظم يدخل على أساسها العامل الاجنبي للدولة ..الكشف الصحي والاوراق الثبوتية اهمها على الاطلاق ويتم استبعاد الكثيرين على هذا الاساس ولكن طبعا …بلادنا لا تخضع للمقاييس العامة ..وكدا .
لا أعتقد ان المقال يجب ان ينتهي هنا فالحديث ذو شجون ..ولكني وصلت الى المعمل وساضطر الي قلب الصفحة …رغم ذلك لن يفوتني ان ابلغكم تحيات مسجل ادم صباح اليوم ( سامحني مرة اذا نسيت ما تبقى صارف ومنصرف ..لو حتى حق الريدة هان.. انا لي عليك حق الولف ..ما بنختلف) وووصباحكم خير .
د. ناهد قرناص