[JUSTIFY]
دائما الخلافات الزوجية التي تنتهي بالانفصال يصبح ضحيتها الأبناء، ولكن عندما تكون الضحية هو طفل واحد ليس له إخوة يساندونه ولا أقرباء يشدون عضده هنا يستعصي الأمر وتصبح واحدة من أكبر الكوارث المجتمعية التي تحتاج الى تدخل الجهات الحكومية والمسؤولة عن الرعاية المجتمعية كوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي الذي كان لا بد ان تطلع بدورها لتبني حالات المتشردين الذين فرضت عليهم الظروف ان يعيشوا بالشارع العام كما هو الحال الذي أصاب الطفل حسين الذي بدأت حياته وهو ينعم بخير أبويه وتدليلهم له حتى بدأت مرحلة عمره التعليمية وأدخلوه المدرسة ليستمر فيها ويجتاز عاما بعد عام بتفوق ملحوظ حتى وصل الصف السادس لمرحلة الأساس إلا ان الخلافات بين والديه كانت الخط الفاصل لحياته معهما، وذلك بان قرر والداه الانفصال وكل واحد منهما يشق طريق حياته بعيدا عن الآخر ولم يفكر واحد فيهما ماذا يكون مصير حسين وابتعد والده وسافر الى احدى الولايات وتزوج بامرأة اخرى، وكذلك تزوجت والدته وسافرت مع زوجها لولاية اخرى وتركا ابنهما دون رقيب عليه أو اي احد يتكفل بمراعاته فهو لا يزال طفلاً لا يعتمد على نفسه وفي يوم وليلة وجد حسين انه يتجول بالشوارع فهو لا يعرف له اقرباء ليذهب اليهم وانخرط حسين مع جماعات من الأطفال المتشردين وصار يحاول ان يعمل ايا من الأعمال الهامشية تارة يتجول بالصحف عبر الطرقات وتارة أخرى يعمل بالكمائن «صناعة الطوب الأحمر» حتى يستطيع ان يوفر من المال ما يكفيه قوت يومه، كما انه جرب العمل في غسيل السيارات بالشوارع العامة. كانت حياة صعبة عليه لا يستطيع عقله الصغير ان يفسر أسباب واقعه، لكنه كان يعلم جيدا ان النقاشات والخلافات بين والديه هي سبب معاناته التي يتجرع مرارتها كل ليلة وفي كل لحظة يريد ان يختار فيها المأوى بعيدا عن أعين شرطة الدوريات. وتأزم حسين نفسياً وشعر انه ليس في وضعه الطبيعي وحالته النفسية تتدهور يوما بعد يوم الأمر الذي جعله ينقاد لإدمان مادة السلسيون ليغيب به عقله عن التفكير الى أن صار مدمنا محترفا، ومضى على هذا الحال طيلة سبع سنوات ترك فيها تعليمه لانه لا يستطيع سداد الرسوم الدراسية، اضافة الى عدم استقراره وتجواله في الطرقات العامة وكل يوم من قسم لآخر ومن محكمة لاخرى حتى ذاك اليوم الذي رجع اليه عقله نتيجة اساءة وجهها له أحد الشباب الصغار يقاربه في العمر وذلك بان حسين كان يضع مادة السلسيون على فمه ويسير في الطريق فاقدا لتوازنه حتى اصطدم بذاك الشاب الذي كان يرتدي الزي المدرسي ويقف امام مكتبة لشراء الكتب التعليمية فوجه له كلمات جارحة وقال له «انت لست بشراً انت من حثالة المجتمع» وجلس حسين عندما سمع تلك العبارات التي اخترقت قلبه وعقله واتجه الى قسم الشرطة الذي كان يرتاده يوما بعد الآخر خلال القبض عليه من قبل حملات أمن المجتمع وطلب من العسكري ان يذهب معه الى المدرسة لانه يريد ان يكمل دراسته ورحب العسكري بالفكرة وذهب معه حتى وافقت ادارة مدرسة بحري بقبوله في الصف الثامن، وهنا تبدل حال حسين وصار لا يفكر سوى بالدراسة الى ان وصل المرحلة الثانوية مدرسة بحري وسكن حسين في «راكوبة» قبالة النيل بمنطقة ود حمد ببحري وعند غروب الشمس يذهب حسين الى شارع النيل حتى يدرس تحت اعمدة الاضاءة حتى تشرق شمس اليوم التالي واستمر حسين على هذا الحال واليوم وصل حسين الصف الثاني ثانوي إلا ان إدارة المدرسة تطالبه بسداد المبلغ وبدورها خفضت له ما يمكن ان يخفض وصار يبحث عن جهة ما لتقوم بسداد بقية المبلغ ليتمكن من الجلوس للامتحان ومواصلة تعليمة، وهنا يأتي دور وزارة الرعاية الاجتماعية وتضع يدها لمساندة حسين وأمثاله وتتكفل بسداد رسوم دراسته سنوياً بالتنسيق مع ادارة المدرسة وتقوم بدورها المرجو منها حتى لا يعود حسين للشارع مرة اخرى، والى هنا انتهى وقت غياب وزارة الرعاية الاجتماعية ،وغض النظر عن أطفال الشوارع يجب عليها ان توجه لهم الأنظار وتحفهم بالرعاية المفروضة حتى لا تسمى وزارة والسلام.كتبت: نجلاء عباس
صحيفة الإنتباهة
ت.أ
[/JUSTIFY]