[JUSTIFY]
مع أن معسكر «ييدا» الكائن بولاية الوحدة بدولة جنوب السودان، يعتبر واحداً من الآف المعسكرات التي تأوي اللاجئين، والتي يعج لها عالم اليوم الموبوء بالصراعات والنزاعات التي عادة ضحاياها من المدنيين الأبرياء، إلا أن معسكر «ييدا» له قصته الأخرى غير مروية إلى العالم، وهي أنه معسكر تم »اصطناعه« وتهجير الناس إليه قسراً، تحت وقع ممارسات التهديد والتخويف، ولم يقصده الناس تحت وطأة الحرب أو النزاع المسلح، كما تجرى العادة، حيث تحول المدنيون إلى دروع بشرية يحتمى بها المتمردون.
دولة داخل دولة
أُسس معسكر «ييدا»، والذي يأوي مواطنين اللاجئين من ولاية جنوب كردفان مع بداية شهر أغسطس 2011م، أي بعد اندلاع التمرد بالولاية، وهو المعسكر الرئيس للاجئين السودانيين داخل دولة جنوب السودان «حوالى20 كيلو مترا من الحدود مع السودان»، وتقدر بعض المنظمات الدولية عدد اللاجئين فى المعسكر بحوالى 70 ألفا من اللاجئين، فيما تقدر أخرى أعدادهم بحوالى 130 ألفا، وتضخيم وتهويل الأرقام هنا مقصود فى حد ذاته!. وتجنباً لتكرار تجربة المعسكرات بولايات دارفور، ومخططات خلق وضع أشبه بالدولة داخل الدولة، منعت السلطات الرسمية بولاية جنوب كردفان مع بدايات اندلاع التمرد بالولاية إقامة معسكرات للنازحين، وهى بذلك أحبطت أحد المخططات التي رمت إليها بعض المنظمات الدولية التي كانت توجد بجنوب السودان وتغطي برامجها وأنشطتها، ولاية جنوب كردفان، وتركز على المناطق السودانية المتاخمة لدولة جنوب السودان، وخاصة تلك المناطق التى تعتبر معاقل حصينة للحركة الشعبية. ومع تلك التدبير الإحترازية، كان هناك تأكيد من قبل السلطات السودانية بالتزامها بتقديم المساعدات الى المحتاجين والمتضررين من اندلاع التمرد، بالتعاون مع الشركاء الدوليين من المنظمات الأجنبية إذا ما قبلوا العمل وفق مبدأ «العمل الإنساني عبر شريك وطني».
دارفور جديدة
وكانت الحركة الشعبية وهي تستعد للعودة للتمرد، قد خططت ــ بعد ظهور مؤشرات قوية على اختيار الجنوبيين للانفصال عن السودان في تقرير المصير الذي أجري في يناير 2011م ــ تكرار سيناريو دارفور فى جنوب كردفان، وأخذت وسائل الإعلام المؤيدة لها تستخدم تعابير من قبيل «دارفور جديدة»، أي أن جنوب كردفان قد تشهد نفس السيناريو الذي جرى في دارفور منذ العام 2003م، «حيث تم فبركة صور وحقائق مغلوطة عن دارفور وبثها إلى الرأي العام العالمي»، ويقوم هذا المخطط على بث مزاعم عن حشود عسكرية ومليشيات قبلية يديرها المؤتمر الوطني، ومعاناة المواطنين من شح وغياب المساعدات الإنسانية بسبب العراقيل الحكومية، وأن الحكومة تحضّر لارتكاب جرائم تطهير عرقي… ألخ. ولكن نتيجة للفشل في حمل الحكومة على إقامة معسكرات لإيواء النازحين داخل الولاية، أتجه المتمردون إلى إقامة معسكرات داخل أراضي دولة جنوب السودان لاستقبال مواطني جنوب كردفان المتأثرين بالتمرد، حيث كان المخطط يقوم على البناء على تجمعات المواطنين أمام مقر بعثة الأمم المتحدة بكادقلي لتكون بؤرة يتم من خلالها الانطلاق نحو إقامة معسكرات ضخمة لإيواء النازحين، ولكن ذلك لم يحدث على النحو الذى خُطط له.
غطاء إنساني
ولما كانت المنظمات الأجنبية التي توجد بكثافة في جنوب السودان عمدت إلى تهيئة المكان لإقامة المعسكر «ييدا»، ومنذ ذلك الحين تحول إلى قِبلة للمنظمات والزوار الدوليين الذين تم حشدهم، ومنهم السيناتور الأمريكي فرانك وولف، والممثل الهوليودي الأمريكى جورج كلوني، اللذين تسللا خلسة إلى ولاية جنوب كردفان في أواخر فبراير من العام 2012م، ليمارسا التحريض ضد السودان، فور عودتهما الى بلدهم، حيث تظاهر »كلونى« أمام السفارة السودانية بواشنطون ليتم اعتقاله من قبل الشرطة، فى مشهد درامي محبوك، وزار الولاية موكيش كابيلا، الممثل السابق للأمم المتحدة بالسودان ليمارس نفس الدور، ونفس الإستراتيجية. وإذاً يمكن القول إن معسكر «ييدا» غدا بؤرة للأنشطة المعادية للسودان تحت الغطاء الإنساني وتُمارس فيه أعمال التجنيد القسري والأعمال العسكرية، والتي طالت حتى الأطفال، وهو ما يخالف القانون الدولى الإنساني، وأكدت هذه الحقائق، السيدة آن ريتشارد مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الهجرة واللاجئين، عند زيارتها إلى المعسكر في أكتوبر 2012م، وذلك عندما قالت إن متمردي الحركة الشعبية يتخذون منه مكاناً لتجنيد الأطفال والاستجمام قبل العودة الى مواصلة شن الهجمات العسكرية ضد الحكومة، كما يتخذونه مركزاً لتخطيط الأعمال العدائية، واتهمتهم بأنهم يستعملون المعسكر المخصص للأعمال المدنية للأغراض عسكرية.
التخويف والترهيب
واعتمدت الحركة الشعبية إستراتيجية التخويف والترويع لحمل المواطنين على ترك قرارهم والذهاب إلى معسكر «ييدا»، بعد أن تحول إلى معسكر رئيس في خطة تسويق قضية جنوب كردفان إلى العالم الخارجي كمأساة إنسانية.
وقامت عناصر التمرد بنشر سلسلة من الأكاذيب والمزاعم عن نية القوات الحكومية قصف القرى والمناطق المدنية بالطيران، وأن القوات النظامية ستزحف نحو تلك القرى لإحراقها وقتل أهلها، وبفعل تلك الدعاية السوداء ترك بعض المواطنين مناطقهم الأصلية، وتهدف الحركة الشعبية من وراء تلك الخطة تحقيق الآتي:1/ تصوير حال المواطنين القاطنين بالمعسكر «بيدا» بالبؤس والحرمان لشحذ المنظمات الأجنبية للتدخل لمساعدتهم وإلقاء اللائمة على الحكومة.
2/ تهجير أكبر عدد ممكن من المواطنين، بما يشبه تفريغ متعمد للولاية من السكان وتأسيس عدد من المعسكرات الضخمة على غرار ما حدث في دارفور.
3/ إثبات كارثية الأوضاع الإنسانية والحاجة إلى المساعدات الأجنبية، بعد إخافة المواطنين الذين هجروا الزراعة والأنشطة الاقتصادية الأخرى، وباتوا في وضع الانتظار لتلقي »فُتات« الغوث الأجنبي.
تلقين الأكاذيب
وبجانب التخويف والترهيب، تبنى المتمردون وسائل أخرى في تطبيق سياسة التهجير القسري للمواطنين إلى معسكر «ييدا»، ومنها القتل والتعذيب وتدمير الممتلكات عمداً وإلصاق تلك الممارسات بالحكومة لحمل المواطن على الرضوخ لإستراتيجية التهجير القسرى تلك. ورصد المراقبون ملاحظات جوهرية في مواقف المواطنين الذين تم تهجيرهم واختلافها عن مواقف أولئك الذين بقوا فى أماكنهم، أو أولئك الذين اختاروا الذهاب تحت مظلة الحماية الحكومية، إذ يتم تلقين المواطنين الخاضعين للتمرد مفاهيم بعينها ليتم ترديدها أمام وسائل الإعلام، والأجانب الذين يزورون المعسكر.. من قبيل الاستهداف العرقي والإثني والإبادة، فضلاً عن قصص التعذيب المزعومة على أيدي الأجهزة الأمنية، وطبعاً الغرض من ذلك تحريض المجتمع الدولي للتدخل تحت بند حماية المدنيين، وإدانة الحكومة السودانية.صحيفة الإنتباهة
ت.أ
[/JUSTIFY]