تحقيقات وتقارير

النشاط الحزبي بالجنوب :«الشعبية»…في مرمى نيران الأحزاب

«الوطنى سيعامل الحركة بالمثل اذا لم تفتح الجنوب أمام نشاطه» ملخص لحديث الرئيس البشير أول أمس في خطابه أمام مؤتمر الشورى للمؤتمر الوطنى. حديث اعاد مجدداً الى الأذهان الجدل الذي كثيرا ما يدور حول حرية النشاط الحزبي بالجنوب بعد ان بسطت الحركة الشعبية سيطرتها عليه بموجب اتفاق السلام الشامل الموقع في التاسع ما يناير 2005م.
ما ذهب إليه الرئيس البشير من ان الحركة الشعبيه تدير الجنوب عبر استخباراتها وتتحدث عن القوانين المقيده للحريات، حديث تكرر كثيراً من قيادات حزبيه وسياسيه «شمالية وجنوبيه» ليشخص الرئيس البشير قضية العمل الحزبي في الجنوب بالعقلية الاستخباراتيه التى تتحكم فيه، وهى قضية ظلت تشكو منها الاحزاب الجنوبية التى تناصر الشعبيه العداء في ممارستها لنشاطها السياسي بالجنوب، والتى سبق لها أن اطلقت دعوات ومناشدات كثر لفتح الجنوب أمام العمل الحزبي دون احتكاره لقبضة الحركة الشعبية وجيشها. وفتح حديث الرئيس حول النشاط الحزبي بالجنوب الباب واسعاً للغوص في مدى الحريات التي تتيحها الحركة الشعبية بالجنوب للقوى السياسية، وما اذا كانت تتجرع هي في الشمال من ذات الكأس الذي تسقي منه منافسيها بالجنوب. وتمثلت قبضة الحركة الشعبيه في الجنوب، في الشكاوى التى ترد من الاحزاب الجنوبيه التى دائماً ما تتهم الحركة الشعبية بقمع نشاطها والتضييق عليها، وكذلك بعض الشكاوى التى ترد من منسوبي المؤتمر الوطنى الذين قيل إنهم تعرضوا للاعتقال والتضييق بسبب نشاطهم السياسي.
وبدأ الاهتمام بالنشاط السياسي في الجنوب يحظى بإهتمام أكبر للقوى السياسيه بعد سيطرة الحركة الشعبية على مقاليد الأمور هناك، والتى بدت بحسب مراقبين في تصفية حساباتها مع أحزاب ومليشيات ترى انهم يشكلون خطراً عليها، ما جعل هذه القوى بعد سيطرة الشعبية على الجنوب تشكو من التضييق في ممارسة النشاط السياسي، خاصة بعض الاحزاب الجنوبية التى ارتبطت في كثير من نشاطها بالمليشات العسكرية، بل وأنها اصلا عباره عن مليشات عسكرية تحولت الى احزاب سياسية كغطاء لنشاطها العسكرى. وهذه المليشات كانت تشكل هاجساً لحكومة الجنوب وتتهمها بأنها تنفذ أجندة المؤتمر الوطنى في الجنوب المتمثلة في زعزعة الأمن والإستقرار فيه لإظهار ضعف حكومة الجنوب وكذلك الحركة الشعبية التى تسيطر عليها، لذا تعامل معها الجيش الشعبي على أساس أنها بؤر لإحداث التوتر في الجنوب. لذا فإن الاتهامات التى تثار في وجه الحركة الشعبية بتضييق النشاط الحزبي في الجنوب، يذهب البعض الى وجاهتها من واقع ما تقوم به الحركة الشعبيه من تدابير لحماية نفسها والجنوب من اختراقات محتمله عبر بعض الفئات المحلية، كما ان محاربتها للمليشات العسكرية في الجنوب قبل ان توفق اوضاع كثير منها دفعتها لإرتكاب عدد من التجاوزات بحق النشاط السياسي في الفضاء الجنوبي من قبل المناوئين لها، فيما يرى آخرون في تلك الاتهامات أنها لا تخلو من المكايدات السياسيه التى كثيراً ما تمارسها القوى السياسيه مع بعضها مستشهدين بأحزاب جنوبية مناوئة للشعبيه تمارس نشاطها بالجنوب دون حجر من حكومته ويصفون تقييد النشاط السياسي الحزبي في الجنوب بأنه محدود وتعد حوادثه معزولة وغالباً ما تأتى بحجة عدم إعطائهاً إذناً من السلطات. ويبرر محللون اسباب التضييق على النشاط السياسي بالجنوب من قبل الحركة الشعبيه على القوى غير الموالية لها، بأن مرده الى خشيتها ان تكون تلك الأحزاب أذرع وواجهات لأعدائها لإحداث توترات أمنيه وهز عرشها الذي تجلس عليه من قبل خصومها، فكثيراً ما أرجعت الحركة الشعبية التوترات الأمنية والصراعات في الجنوب الى أيادٍ خفية تعمل على تأزيم الأوضاع هناك.
ويشير البعض الى أن الحركة الشعبيه استغلت وضعية انفرادها بحكم الجنوب بموجب اتفاقية السلام في إقصاء الأحزاب الأخرى وأن وضعيتها في الحكم جعلتها لا تعترف بأى حزب سياسي غيرها في الجنوب، ويبدو بحسب متابعين أن الشعبية بعد ان بسطت سيطرتها على مسارات الأوضاع في الجنوب، تركت مساحة محدودة للآخرين الذين ينافسونها لتتحرك فيها كغطاء لتبدو من خلاله انها تبسط الحريات امام المناوئين والنشاط الحزبي المعارض لها. ولكن اصابع الاتهام تشير إلى الشعبية بإنها تعيق العمل الحزبي بالجنوب لدواعي شتى، فيما يذهب قادتها الى تأكيد أنها تؤمن بالتعددية وإحترام الآخر. وكنت قد سألت سابقاً الأستاذ أتيم قرنق نائب رئيس البرلمان والقيادي بالحركة الشعبية حول تضييق النشاط الحزبي بالجنوب، فأرجع الوضع الى أن الحركة الشعبية تسيطر على «90%» من الريف الجنوبي فكرياً وإدارياً، وحتى الذين نزحوا الى دول الجوار تأثروا فكرياً بالحركة، فالقضية ليست قضية الحركة بحسب رأيه، بل أن الجماهير في الريف الجنوبي ترى أن المؤتمر الوطني وحلفاءه من الجنوبيين هم سبب البلاوي التي يعيشونها لذا عندما يأتون إليهم تحدث بعض المناوشات، مشيراً الى ان الديمقراطية في الجنوب أفضل من الشمال.
ولكن ما ذهب إليه أتيم قرنق تمضي بعكسه مآلات حديث الرئيس البشير امس الذي يتفق معه فيه السيد الصادق المهدى زعيم حزب الأمه القومى الذي دعا أيضا الحركة الشعبية في فاتحه اعمال لجنتها التحضيريه لمؤتمرها العام بالمقرن «فبراير2007م»، بأن تفتح الباب امام القوى السياسية لممارسة نشاطها بالجنوب بمثل ما تمارسه في الشمال مشيرا لجملة قيود تعيق العمل الحزبي بالجنوب. ولكن آخرين يشيرون الى أن الحركة الشعبية تتيح النشاط السياسي في الجنوب بقدر ما تجده من متسع في الشمال، حيث انها تعاني حسب قادتها من التضييق على نشاطها في الشمال بشكل كبير، ولكن تبدوالمشكلة الرئيسية في النشاط الحزبي بالجنوب انها ترجع الى الاحزاب نفسها التى ليس لها وجود بالجنوب، ويكاد الجنوب يخلو من أى نشاط لمعظم الاحزاب القومية في الشمال، سوى المؤتمر الوطنى وبعض حركة التجار الاتحاديين في الجنوب، ومحاولات لحزب الأمه القومي برئاسة الصادق المهدى للعمل في الجنوب دون فعاليه تذكر، فيما يحتفظ حزب المؤتمر الشعبي بزعامة د.حسن الترابي بوجود وسط مسلمي الجنوب الذين كانوا ضمن اعضاء الجبهة الاسلاميه القومية ولكن دون نشاط سياسي يذكر. فالاحزاب القومية تعاني من مشاكل عدة اقعدتها وحدت من نشاطها السياسي بفعل القوانين المقيده للحريات، وضيق ذات اليد، وخلافات داخليه عصفت بعملها كثيراً، حيث لم تتمكن اغلبها من ممارسة نشاطها في مدن الشمال ناهيك عن ممارسته في أدغال الجنوب.
ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات تبدو القوى السياسيه في حاجه لكل المسارح الجماهيريه شمالا وجنوبياً لمزيد من الكسب والاستقطاب السياسي، وهو ما دفع رئيس المؤتمر الوطنى ليدعو اعضاء حزبه بالاستعداد للتوجه جنوباً لممارسة نشاطهم استعداداً للانتخابات، ومع التهديد بتقييد نشاط الشعبية بالشمال حال استمرارها في قفل الجنوب أمام الاحزاب الاخرى، يشير الى أن المسرح السياسي موعود بمزيد من السخونه مع قرب موعد الانتخابات، خاصة وأن الحركة الشعبية تمتلك قطاع الشمال الذي يعد الأكثر نشاطاً وفاعليه في المسرح السياسي وتعتمد عليه كثيراً في تمددها خارج حدود الجنوب، وكان قادة الحركة الشعبية يثيرون بإستمرار قضية استهداف قطاع الشمال وقيادته من قبل قوى سياسيه تريد تدميره خوفاً من تمدده واستقطابه عدداً كبيراً في الشمال لعضوية الحركة الشعبية بإعتباره اصبح منافساً قوياً للاحزاب في الشمال.
ويبدو مع اقتراب موعد الانتخابات بدأت ترتفع حرارة المسرح السياسي، ومع بداية انطلاقة الحملات الانتخابية تصبح وسائل الكسب والتأييد متاحة للجميع، ومع الحراك اليومي للقوى السياسية في تنظيم صفوفها للانتخابات، فإن الأيام القادمة حبلى بكثير من المفاجآت في المسرح السياسي والانتخابي!.
خالد البلولة إزيرق :الصحافة