رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : من إثيوبيا 17 نوفمبر والمفاوضات وفوائد «السد»


[JUSTIFY]إذ كان الوقت هذا يناسب الحديث عن تطورات التفاوض في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.. أو يناسب الحديث حول الذكرى السادسة والخمسين لاستلام السلطة في 17 نوفمبر 1958م بعد عودة رئيس الوزراء ووزير الدفاع والأمين العام لحزب الأمة حينها السيد عبد الله خليل من زيارة قام بها إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فإن هذي وتلك تملأ هذه الأيام بعض صفحات الصحف، وإسالة المزيد من أحبار الأقلام فيها لا معنى له، فالمفاوضات في أديس أبابا تريدها واشنطن أن تمضي بهذه الوتيرة القديمة وهذا التوتر، حتى يأتي الوقت الذي تراه مناسباً كما فعلت مع قضية الجنوب. وطبعاً مما يحمل واشنطن على ذلك في نهاية المطاف هو الانتصار العسكري للحكومة السودانية، فمهما دعمت واشنطن أولئك المتمردين، فلن يستطيعوا ولو بعد حين الاستمرار في إشعال الحرب دعك من كسب الجولة لصالحهم. لذلك فليستمر العمل العسكري كما ينبغي، فهو الشيء الوحيد الذي يجعل واشنطن تصدر التوجيه للمتمردين بأن يفعلوا ما فعله جون قرنق، فهم ليسوا أفضل من جون قرنق لكن الخوف فقط ألا تتعظ الحكومة وتعتبر من تجربة اتفاقية نيفاشا، أي بعد «الجلوس النهائي» بأمر واشنطن لقطاع الشمال ينبغي ألا تستجيب الحكومة هذه المرة لبروتكول لولاية سنار وآخر لولاية النيل الأبيض مثلما كان ضمن اتفاقية نيفاشا بروتكول للمنطقتين موضوع التفاوض الآن.
أما ذكرى 17 نوفمبر فهي تذكرنا بواحدة من أسخف ما حدث بعد نجاح مؤامرة 21 اكتوبر الكنسية، وهو اعتقال ضباط المجلس الأعلى الحاكم منذ ذاك اليوم وحتى 21 اكتوبر باستثناء رئيسه الذي استلم السلطة يداً بيد من رئيس الوزراء ووزير الدفاع عبد الله خليل. مع أن أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة كعسكريين نفذوا تعليمات قائدهم القائد العام للقوات المسلحة الفريق إبراهيم عبود .. واقتنعوا بتبرير السيد عبد الله خليل.

وإذا كان من أديس ابابا عاد رئيس الوزراء وسلّم السلطة، وقيل أن هذه الزيارة كانت لها علاقة بتسليم السلطة، وإذا كانت البلاد الآن تنتظر وتترقب أن يأتي حل المشكلة الأمنية في المنطقتين من أديس أبابا حيث تجري هناك المفاوضات ثم تتوقف ثم تستأنف، فإن هناك أمراً ثالث يستمر الجدل حوله في الإعلام السوداني وكذلك إعلام بعض الدول، وهو مشروع سد النهضة الإثيوبي، ومن يرفضون قيامه يقدمون أسباباً منها احتمال انهياره رغم إنه سيقوم في مكان بعيد كل البعد من مخاطر الزلازل مثله مثل السيد العالي القائم على أرض النوبة المدخلة حديثاً في الدولة المصرية الحديثة. وإذا كان هناك من يتحدّث عن اشكالات يمكن أن ينهار بها أو ببعضها سد النهضة ويخلف بذلك كارثة إنسانية ونحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة حيث توفر أحدث التكنولوجيا، فمن باب أولى أن يكون الحديث عن انهيار السد العالي عام 1964م، الذي كانت الكارثة التي خلفها قد حلّت بعد تشييده حيث كان تهجير آلاف النوبيين إلى منطقة شرق البطانة بولاية كسلا حالياً، إنها مدينة حلفا الجديدة.. لقد حمل النوبيون معهم «الاسم» وتركوا وراءهم النيل. وغنى لهم الفنان حمد الريح مواسياً:

يا غالية يا تمرة فؤادي الليلة ما عاد المراكب شرّقن
والقمري فوق نخل الفريق فاقد الأهل يبكي ويحن
إن أهالي وادي حلفا حينما امتطوا قطار الهجرة المرة ما كان منهم من يتحدث عن احتمال انهيار السيد العالي. وحتى إذا كان هناك من يريد أن ينحاز إلى اعتراض قيام سد النهضة، ويتحدّث هو الآخر عن انهيار سدود عبر التاريخ، فعليه أن يضع السد العالي أيضاً في الاعتبار. فنحن لا يمكن أن نترك الحديث عن فوائد سد النهضة التي تماثل فوائد السد العالي في الجانب الشمالي وهي بالطبع مضمونة، ونروح نتحدث عن احتمال انهيار سد النهضة. وإذا كان احتمال انهياره مجرد الاحتمال مدعاة للامتناع عن تشييده، فهذا يعني أن نحض على تفكيك كل السدود القائمة في العالم حتى لا يكون مصيرها مثل مصائر خزانات «بانقلاو» في الصين.. و«فيشنورياق» في الهند.. و«موكاف توكفرا» في زيمبابوي..

والغريب أن هناك من يقول إن السودان إذا كان ينتظر فوائد معينة من سد النهضة لماذا اهتم بتعلية خزان الروصيرص؟! إن الاجابة هي حتى إذا ما انهار سد النهضة مثل السدود آنفة الذكر يكون سد الروصيرص مُعلّى لتجنى منه هذه الفوائد.. أو ربما يتراجع الإثيوبيون عن تشييد سد النهضة. إذن دعونا نهتم بالفوائد من سد النهضة فهو ماضٍ في التشييد ولن توقفه آراء الخبراء السودانيين، ولا الحرب الإعلامية في الإعلام المصري. وكل ما يتوقعه الناس من سد النهضة يجب أن يتوقعوه من غيره مثل السد العالي.. إن سد النهضة هو سد الألفية ويقوم على أسس علمية متقدمة.

خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة
ت.أ
[/JUSTIFY]