سعد الدين إبراهيم

شباب بريطانيا يرفعون راية استقلالنا


[JUSTIFY]
شباب بريطانيا يرفعون راية استقلالنا

خرج علينا الأستاذ عثمان ميرغني يوم الثلاثاء عبر عموده (حديث المدينة) بمعلومة جديدة (لنج) عن استقلال السودان.. ووصف حديثه بأنه الحقيقة التي اجتهد المؤرخون السودانيون في حجبها.. ولم يوضح لماذا؟

المعلومة تجاوزت مقولة إن الاستقلال جاء سهلاً بلا تضحيات إلا أن استقلال السودان لم يكن إلا بسبب شباب بريطانيا الذين تظاهروا في شوارع لندن يطالبون حكومتهم بالانسحاب من السودان (لأسباب اقتصادية) وعاونتهم أحزابنا فكان لها أجر المناولة في الاستقلال!

هذه المعلومة تريد توكيداً.. فإن كان المؤرخ السوداني حجبها ليصنع لنا بطولات وهمية ونضالات لا نستحقها فلماذا أخفاها المؤرخ الإنجليزي.. وهل لمجرد مظاهرة تتخلى انجلترا بهذه البساطة من مستعمرتها الأثيرة.. لعلها خرجت في الهند أيضاً لذات السبب وكان غاندي وبطولاته وهماً في وهم.

أنا على يقين من أن الباشمهندس لم يلفح المعلومة ويجري بيها.. فأنا أحبه وأقرظه ربما غطى الهوى على البصر.. وأمنحه أجر المجتهد

الأمر يحتاج إلى تمحيص فهل كان استعمار السودان عبئاً اقتصادياً على الإنجليز أم كان مورداً لدعم اقتصادهم؟

يذهب البعض الى إن استقلال السودان كانت مقدمته حركات وثورات امتدت عبر التاريخ، ولكن إذا مسكناها فقط من حركة على عبد اللطيف ألا تعتبر تلك تضحيات وجهد بذل في ذلك الزمان لم تكن المظاهرات قد أصبحت سلاحاً يجبر الحكومات على اتخاذ قرار كبير مثل الجلاء عن السودان، ولكن هب إن ذلك حدث هل يمحو مجاهدات الشعب السوداني..؟

قرأت فيما قرأت إن الإنجليز كانوا يبعثون بضباطهم النابهين الى السودان وغيره من المستعمرات- راجع مذكرات سير غوين بل لبشير محمد سعيد- إنني لا أعتقد إن إخفاء الحقيقة له ذلك الأثر الكبير خاصة على الأجيال الجديدة.. فقد أوردت صحيفة اجتماعية مرموقة إنها استطلعت تلاميذ تتفاوت أعمارهم بين العاشرة والسادسة عشرة.. وطلبت منهم ذكر رمز وطني من ثورة اللواء الأبيض.. والثاني عن الثائر عبد القادر ود حبوبة.. العينة كانت من خمس تلاميذ كلهم لم يعرفوا رمزاً من رموز ثورة علي عبد اللطيف بينما واحد فقط كان يعرف ود حبوبة..

إذن هذا الجيل لن (تفرق معه) إن جاء الاستقلال عبر بطولات السودانيين أم عبر مظاهرات شباب بريطانيا..

ينتقد المفكرون دائماً تخاذل النخب عندنا وانحصار المثقفين في أبراج عاجية.. مثل هذا السؤال يجعلنا نسأل الزميل أي مثقف أنت؟ وليكن ذلك حسب أسئلة مثقف عربي آخر هو (معن خليل عمر) الذي عرض لنماذج المثقفين وعلى رأسهم المثقف المذيع : الذي يعلن عن أفكار وآراء غيره دون تقويمها ونقدها أو تثمينها أو التعليق عليها مثل «المعلم والمدرس» ثم المثقف (الجماعة) من جمع يجمع فهو جامع وجماع وهو الذي يجمع المعلومات والبيانات وينشرها دون تجديد أو تنظيرٍ. والمثقف المقوم الذي يعلق على أفكار وآراء غيره من خلال إبراز إيجابياتها وسلبياتها ومقارنتها مع الأفكار الآخرى وإعطاء البدائل أو الإضافة اليها.. وهنالك المثقف الناقد الذي لا يهدف الى تفويض موضوعه بل محاورته مساجلته وإثرائه وإغنائه وكشف النواقص والعيوب لتجاوزها.. والمثقف المحترف الذي يعتاش من عمله ويهمه السوق ورغبة المتلقي..

عموماً سنقول إن مثقفاً سودانياً ذهب الى إن استقلالنا لم يحققه عبد اللطيف وصحبه ولا عندما استشهد في مدفعه عبد الفضيل ولا الرجال الذين تحدث عنهم كرري (كالأسود الضارية) إنما حققه شباب انجلترا الجسور.. ها قد أذاع الخبر فماذا نحن فاعلون.. شكراً شباب بريطانيا وسوري الازهري وعبد الله خليل رفعتم علماً أصلوا كان مرفوع !
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]


تعليق واحد

  1. الأستاذ سعد الدين إبراهيم,, السلام عليكم ورحمة الله. تعقيبا على مقالك أعلاه لست بصدد تقليل او تمجيد ما قام به الرعيل الأول من السياسيين السودانيين من اجل ان ينال السودان رفعته وإستقلاله فلا شك أنهم كبشر – قد تفاوتت مستويات مجهوداتهم وعطاءهم وتضحياتهم — فمنهم كلفه ذلك السجن ومنهم من كلفته حياته– لكن — نستطيع ان نقول ان الرعيل الاول ممن كان لهم شرف حكم البلاد بعد خروج المستعمر وبالرغم من سموهم الاخلاقي الظاهر قولا وفعلا– إلا أنهم لم يمتلكوا الحكمة والرؤية التي كان يحتاجها السودان في ذلك الوقت لتأسيس دولة ذات حكم رشيد– دائم ومستقر – يضع مصالح مواطني هذه البلاد – الدنيوية والأخروية في قمة إهتمامته وأولوياته– فالفشل الذي يغرق فيه حكامنا السابقون واللاحقون والحالييون من مدنيين وعسكريين — إنما هو إمتداد طبيعي لفشل وضعف ذلك الرعيل الأول والذي نتغنى ونفخر كل يوم بتأريخهم — وتلك للأسف مصيبتنا الكبرى أن لا نجد ما نبكي عليه– والدليل على هذا الكلام التدهور المستمر الذي ضرب كل نواحي حياتنا منذ خروج المستعمر في منتصف القرن العشرين وحتى الان في بداية العقد الثاني في القرن الحادي والعشرين- ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون— والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.