منصور الصويم

بهنس.. جرح عميق انفتح على “ذواتنا”


[JUSTIFY]
بهنس.. جرح عميق انفتح على “ذواتنا”

ربما، ما أثار موت مثل هذا الحزن والأسى مثلما أثار الرحيل الفاجع والمأساوي للفنان والأديب السوداني متعدد المواهب محمد حسين بهنس، فرحيل بهنس وحيدا ومغيبا في المنافي متأثرا بالبرد وقسوة الشوارع والأرصفة، حرك في داخل كل سوداني مساحات من الألم والإحساس بفقدان المعنى والتراجع المريع في القيمة. كل من عرف بهنس سواء معرفة شخصية أو من خلال أدبه أو موسيقاه أو رسوماته التشكيلية، وحتى من لم يعرفه؛ أحس بوخز الألم وبتأنيب الضمير، وبأن الفضيحة هي ما تمثلنا الآن وتقدمنا للعالم، الذي تناقلت وكالاته العالمية النبأ بتوسع وبشرح موجع للظرف اللا إنساني الذي واجه الراحل وأدى إلى وفاته.
حين أصدر بهنس روايته (راحيل) تزامن ذلك مع صدور روايتي (تخوم الرماد) رأى الكثيرون وأنا منهم أن الرواية تبشر بميلاد فنان مبدع (كتبها في السابعة والعشرين من عمره)، وأشار البعض إلى أن العمل يؤشر على ميلاد “الطيب صالح” جديد، وأن الرواية خط إنقاذ للكتابة السردية السودانية بما تمثله من تفرد اشتغالا على موضوعها وأسلوبها في الكتابة. رأيت في الرواية (راحيل) قدرة غير عادية على (التصوير والوصف) وهي تحكي عن شاب يعمل مصورا، وكنت ولا زلت أرى فيها عملا سينمائيا دقيقا مجسدا على الورق ويحتاج فقط من ينقله عبر الكاميرا إلى شاشة السينما، وفكرت -حينها- أن الكاتب (بهنس) لو اشتغل على السيناريو السينمائي والتلفزيوني سيمنحنا أعمالا بديعة بحق.. لكن لم تتكرر التجربة ولم ينشر بعدها (بهنس) أي عمل سردي.
قوبلت الرواية (راحيل) باحتفاء أولي عظيم على مستوى (الشلليات والأصدقاء)، لكنها جوبهت بهجوم كاسح من قبل النقاد (الرسميين)، تعرض الكاتب لنقد عنيف لم يتجرأ أحد ممن احتفى بالرواية في المجالس الخاصة لدفعه عنه وإظهار الكامن والرمزي في عمل يعد بكل المقاييس تجربة أولى لكاتب شاب مبشر. وقتها قال بهنس قولته الشهيرة: (يكفيني أنني رميت حجرا في هذه البركة الساكنة).
لقلق فني يسكنه ربما توزعت مواهب محمد حسين بهنس بين الموسيقى والتشكيل والشعر والسرد وحتى الرقص، لم يقف على ضرب واحد من ضروب الفنون، اشتغل بحماس على كل شكل منها وكأنه يحس بأن عمره قصير ولن يسعفه لوضع بصمته الجمالية على كل هذه الفنون المنفعلة داخل ذاته المبدعة.
بالبرد والغربة والإهمال مات بهنس، وإن لم ننتبه إلى (حالنا) جيدا سنفقد كل يوم (بهنس) جديدا، وبذات الدرب المأساوي الذي انفتح جرحا عميقا على (ذواتنا).

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]mansourem@hotmail.com[/EMAIL]