ما بين الفن والرجالة

لا تخلو القيادة على الطريق العام من بعض المهاترات والخلافات الصغيرة على حسب الجو العام والفطرة الإنسانية التي تصاب أحياناً بالإرهاق الذهني والتوتر العصبي الذي يفجر المواقف ويثير حفيظة السائقين.
ويمكننا أن نجد العذر لامتعاض أصحاب المركبات الخاصة والعامة من رجال المرور الذين يتشددون في تطبيق القوانين للمصلحة العامة، فيستاء البعض كونهم كانوا من مرتكبي الأخطاء الذين وقعت الطامة على رؤوسهم وطالتهم (الأيادي البيضاء) الحادبة على سلامة الطريق والأرواح.
وهو امتعاض لا يوشك أن يزول حالما كان السائق صريحاً مع نفسه واعترف بينه وبينها بخطئه الفادح الذي جاء خصماً على سلامة الجميع، وكان يمكن ببساطة أن يتسبب في كارثة مرورية تتناقلها الأفواه حكاية جديدة عن الاستهتار واللامبالاة.
# ويعلم الجميع أن المواقف التي تجمع رجال المرور بالسائقين وتنتهي بالتوجيه أو التحذير أو حتى العقاب الفوري والغرامة تكون على قدر من اللياقة والاحترام المتبادل الذي لا يمنح السائقين حق التطاول أو تجاوز الحدود بسيادة القانون والسلطة.
ولكنهم للأسف الشديد يفعلون كل ذلك مع بعضهم البعض حالما تجاوز أحدهم الآخر أو قطع عليه الطريق أو سبقه إلى دخول الشارع أو تباطأ في السير أمامه!
حينها.. تقوم الدنيا ولا تقعد.. وتبدأ وصلة من السباب والتساؤلات التهكمية على شاكلة (اتعلمتها وين يا…؟) أو (تعال الأول بالله).. وغيرها من العبارات التي يستحي المرء من أن يؤذي عيونكم بمطالعتها.. وأحياناً يذهب الأمر لأبعد من هذا ويتحول لمطاردات وتحديات في الشارع أو احتكاك بالسيارات دون مراعاة للمرافقين من الركاب وصيحاتهم الفزعة ورجاءاتهم المتواصلة.
# كل هذا وأكثر يحدث في شوارعنا بعيداً عن أعين رجال المرور، فلا أعتقد أن أحدهم يجروء على القيام بذلك في حضرة رجل واحد من ذوي الرداء الأبيض باركهم الله.. وكنا نسمع حتى وقت قريب عن أن القيادة (فن وذوق)..! ولكنها تحولت بفعل الجهل والاستهتار إلى (رجالة).. فكل منهم يعتقد أن التغاضي والصبر الجميل والتنازل في الشارع من الأمور التي تنتقص من رجولته! فيعمد إلى تأكيدها من خلال الشتائم وتجاوز السرعة وتخطي السيارات وكسر الإشارات بكل وقاحة فيما يصور له خياله المريض أنه بطل قومي! يستحق الإعجاب والتصفيق ومباركة الجميع.
ثم يحدث ما لا يحمد عقباه.. ويقع المحظور.. ويبدأ الندم حيث لا ينفع.. والمنطق يؤكد أن الإنسان مثلما هو الوحيد القادر على حماية نفسه ورعايتها والحرص على مصلحتها أكثر من نفسه، فإنه في ذات الوقت عدوها الأول.
والشعار الذي يرفعه رجال المرور لأسبوعهم السنوي الراتب هذا العام هو (سلامتي.. مسؤوليتى).. بمعنى أن كل مستخدم للطريق هو المسؤول الأول عن سلامة نفسه وسيارته وممتلكاته، ثم يأتي دور الرعاية والضبط وتنفيذ القانون من قبل رجال المرور.
وبهذا يكون لك مطلق الحرية في أن تكون إنساناً متحضراً تستخدم الطريق بكل فن وذوق والتزام، وتحقق لك وللآخرين السلامة، وبين أن تنتصر لرجولتك الحمقاء المتهورة وتتلذذ بإرضاء نزعاتك المدمرة ثم تجتر ذكرى هذه البطولة التاريخية الشهيرة، وأنت طريح الفراش بإصابة فادحة أو إعاقة دائمة إثر حادث مروري كبير، أو أنت نزيل أحد السجون بسبب خطأ مروري فادح تدفع سنواته من عمرك وحريتك على اعتبار أن السجن (للرجّالة)!!
#تلويح:
القيادة فن.. (والرجالة) مروءة وذوق وأخلاق
إندياح – صحيفة اليوم التالي[/SIZE][/JUSTIFY]

