“الفرح” ممنوع

[/CENTER]
# اجتهدت كثيراً في إيجاد مبرر مقنع يجعلني أتفهم القرار الصادر مؤخراً لمنع حفلات التخريج لطلاب الجامعات وحتى رياض الأطفال!! فهل يعني ذلك أن كل الممارسات الدخيلة والسالبة قد تمت السيطرة عليها وإبادتها ولم يتبق سوى مصادرة فرح الناس؟ وهل السبب الحقيقي وراء ذلك المنع فعلياً هو لبس البنات والأغاني الهابطة والاختلاط كما سمعت أم أن هناك أسباباً أخرى خفية لا أعلمها؟ وهل خرجت الجهه التي أصدرت هذا القرار إلى الشارع؟ هل رأت ما أصبح عليه المشروع الحضاري؟ وهل يعد الفساد الإداري والاختلاس والمحسوبية والواسطة والثراء الحرام وتجارة المخدرات والدعارة من الظواهر السالبة التي تستوجب المنع وتدخل ضمن اختصاصات النظام العام أم لا؟
# قد يكون لي تحفظاتي العديدة على مظاهر البوبار والفرح المبالغ فيه التي تمارسها الأسر في هذه التخاريج.. ولكنها بالأخير تتوقف على إمكانياتهم ورغباتهم الخاصه وحريتهم الشخصية، كما أنني وجدت لها التبرير اللازم، إذ أن الفرح قد أصبح عملة نادرة، لا يتوفر بسهولة، لهذا نحرص جميعاً على التشبث بأي ملمح من ملامحه ونحتفي بمقدمه ونهيئ له ما يلزم لنزيده بريقاً!! وإذا كانت الحكاية إشفاقاً على ولي الأمر من التكاليف (فهي بقت على ساعات البهجة دي يعني؟!) على الأقل هنا ندفع راضين بينما ندفع في مواقف أخرى على مضض!
فلماذا نمنع الأسر السودانية من الاحتفال بأبنائها ومعهم في حصاد السنين العزيزة التي يتوجها جميعاً يوم التخريج؟ إنهم ينتظرون هذه اللحظة الاستثنائة زمناً طويلاً، وبما أن إدارات الجامعات تتهرب وتجبن من تقديمها لهم بالشكل الفخيم والملائم كما يحدث في كل جامعات العالم التي تحرص على تخريج طلابها بشكل احتفالي مبهر فإنهم يجتهدون كطلاب في صناعة هذه الفرحة عساهم يتناسون قليلاً مرارة الأعوام الدراسية المكلفة بكل معاناتها وسياساتها التعليمية الغريبة لا سيما، وهم مقبلون لا محالة على سنوات أخرى من العطالة والإحباط والتعاسة!!
# إن الشركات الصغيرة التي بدأت تعمل في مجال تنظيم التخاريج والحفلات الطلابية مملوكة لشباب بعضهم لم يتمكن من إيجاد وظيفة تلائم دراسته.. فقرر بدلاً عن الاستسلام لقدره وجلوسه على (لساتك) الحلة – البدء في هذا المشروع الجميل ليقيه مغبة العوز.. ثم ها هم الآن بناءً على هذا القرار العجيب يعودون للانزواء في بيوتهم أو يفكرون جدياً في الهجره دون عودة والبعض منهم قابع في السجون لأن مشروعه قد واجه ضائقة مالية بعد أن توقفت فرص العمل والاحتفالات وهو في الأساس قد أقامه بقرض من البنك أو عليه التزامات مالية لآخرين لن يتمكن بعد الآن من الإيفاء بها!!
# إن هذا القرار المجحف قد صادر فرح الأهل والطلاب، وقتل طموح الشباب، وأوغر الصدور، وترك العديد من التساؤلات.
فمن هو المعني تحديداً بإصدار قرار كهذا؟ هل هي وزارة التعليم العالي المتهالكة؟ أم هي شرطة النظام العام؟ وما هو الأساس الذي بني عليه هذا المنع؟ ولماذا إذن تقام بعض التخاريج في نوادٍ محددة لا يطالها المنع لأن سلطتها العسكرية قوية وصارمة وتعد هي بدورها منطقة منغلقة! وإذا كانت الوزارة قد أعلنت يوماً كما سمعت- أنها تعترض على الأغاني والمظاهر التي تصاحب لحظة التخريج الشكلية من (رقيص) للطالب وذويه أمام أساتذة الجامعة فإن الطلاب قد أعلنوا صراحةً استغناءهم عن وجود الأساتذة واكتفوا ببعض أولياء الأمور المميزين، وفي هذا ما يدل على بالغ حرصهم على هذه اللحظة التاريخية!!
ولتعلم الجهة المعنية بهذا المنع المستهجن أن العديد من حفلات التخاريج أصبحت تقوم في موعدها بـ(الواسطة) و(المحسوبية) كحال كل شيء في هذه البلاد.. فرجاءً أعيدوا النظر في الأمر.. ويكفينا أنكم قد حرمتمونا من المشاركة في برامج المسابقات ومنعتم (رحمة الله) من النزول!!
# تلويح:
وكأنما القرارات في بلادي مصابة بـ(الحول)، فهي تصدر دائماً ضد مشاعر المواطن وكرامته وراحته.. وحتى فرحه
اندياح : صحيفة اليوم التالي [/SIZE][/JUSTIFY]

