رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : «داعش سودانية» تؤكد الجهل بضوابط الجهاد


[JUSTIFY]ظهر في اليومين الماضيين مقطع فيديو لشباب سودانيين ثلاثة «ملثمين» يقلّدون جماعة «داعش» التكفيرية الخارجية في المعنى والمبنى!! يدعون للجهاد ويعلنون قيامهم به، وقياماً بواجب النصح لهم ولغيرهم، ولأن الوقاية خير من العلاج، وحتى لا يغتر بمثل دعوة هؤلاء من قلّ علمه أو غلبت عاطفته على علمه وإدراكه، ولما كان من أسباب ضلال وانحراف الكثيرين في هذا الباب: عدم معرفة ضوابط الجهاد في الإسلام، فإني أضع بين يدي القراء هذه الكلمات الموجزة من محاضرة بعنوان «مفهوم الجهاد في الإسلام» للبروفيسور عبد السلام السحيمي أستاذ الفقه الإسلامي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية حيث ورد في محاضرته ما يلي:
إن المعنى الخاص للجهاد يُعَرِّفُهُ الفقهاء ــ رحمهم الله ــ بأنه: قتال مسلم كافرًا، غير ذي عهد، بعد دعوته للإسلام وإبائه، إعلاءً لكلمة الله ــ سبحانه وتعالى ــ . وهذا النوع من الجهاد ينقسم إلى نوعين: جهاد طلب، وجهاد دفع.
وقد ذكر أهل العلم لهذا النوع من الجهاد ضوابط شرعية ينبغي مراعاتها لتحقيق المعنى المرجو من الجهاد، لأن الجهاد ليس غاية في نفسه، وإنما هو وسيلة لتحقيق غاية، وهي: إعلاء كلمة الله، فلما جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وإن الضوابط العشرة لجهاد الطلب نجدها في كتب الفقه، وشروح الحديث، أخذوها من النصوص الشرعية التي دلت على هذه الضوابط وهي:
ضوابط جهاد الطلب المتعلقة بالمجاهد المسلم:
الأول: الإخلاص لله، وهذا شرط في العبادات كلها قال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»، وقال ــ سبحانه وتعالى ــ: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ، وقال النبي ـ ـصلى الله عليه وسلم ــ «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

الثاني: القدرة على القتال، والقدرة أصل في تكاليف الإسلام، فالقُدْرَةُ مناط التكليف، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط، وإلا سقط عن المسلمين الجهاد كسائر الواجبات، لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة، لقول الله ــ سبحانه وتعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ولقوله تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا»، ولذا حث الشَّارِعُ على الاستعداد للجهاد بالإعداد له بقوة قبل القتال، فإن لم تكن هناك قوة فلا جهاد ولا قتال، إلا أن ينزل العدو بأرض المسلمين، قال تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ»، فأيما قوة لدى المسلمين لا يرهبها العدو ويخافها فليست قوة شرعًا، وضابط القوة البشرية: أن يكون عدد المقاتلين الكفار ضعفي عدد المسلمين فأقل، فإن زاد على الضعف لم يجب على المسلمين دخول المعركة، وهذا الشرط خاص بجهاد الطلب، أما في جهاد الدفع فلا يشترط فيه ذلك.
وينبغي التنبيه على أهمية فهم كلام أهل العلم على وفق مرادهم، وأن يكون على مقتضى ما يدل عليه الدليل، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ وغيره من أهل العلم: وَأَمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنْ الْحُرْمَةِ وَالدِّينِ، فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا، فَالْعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا لَا شَيْءَ أَوْجَبَ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ دَفْعِهِ، فَلا يُشْتَرَطُ لَهُ شَرْطٌ، بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. اهـ. مقصوده ومقصود العلماء: أنه لا يشترط له شرط، أي الشروط التي تشترط في من يجب عليه الجهاد، بأن يكون المطالب به بالغًا عاقلاً حرًّا ذكرًا، فهذه الشروط لا تشترط في جهاد الدفع، لأنه يدفع بحسب الإمكان.
يبقى شرط مهم إذا لم يوجد سقط عنهم الجهاد، وهو: القدرة على صد العدو وكسر شوكته، لذا قال شيخ الإسلام: بل يدفع بحسب الإمكان أي: بحسب القدرة، فتبقى القوة والقدرة على صد العدو شرطاً حتى في جهاد الدفع، يدل على ذلك حديث النَّوَّاسِ بن سَمْعَانَ ــ رضي الله عنه ــ في قصة قتل عيسى ــ عليه السلام ــ للدجال قال قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْعِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»، وجه الدلالة من الحديث أنه لما كانت قوة عيسى ــ عليه السلام ــ ضعيفة بالنسبة إلى يأجوج ومأجوج أمره الله ألا يقاتلهم، ولا يجاهدهم، فدل هذا على أن القدرة شرط.

الثالث: ألا يترتب على قتال العدو مفسدة أعظم من مفسدة ترك القتال، قال الفقهاء ــ رحمهم الله تعالى: إذا زاد الكفار على الضعف، ورُجِيَ الظفر وغلب على ظننا إن ثبتنا استحب لنا الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية بالعدو وجب علينا الفرار لقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، أو بنكاية فيهم استحب لنا الفرار.
فلا يجب على المسلمين الثبات في مثل هذه الحالة التي يخشى عليهم فيها الهلاك، بل قال ابن جزي المالكي: وإن علم المسلمون أنهم مقتولون فالانصراف أولى. وقال أبو المعالي الشافعي الجويني: لا خلاف في ذلك يعني: لا خلاف بين الفقهاء ــ رحمهم الله تعالى ــ
الرابع: إذن الإمام، أهل السنة والجماعة متفقون على أن أمر الجهاد موكول للإمام المسلم، ومن صلاحياته، وهو الذي ينادي به دون غيره، ويكون تحت رايته إما بقيادته أو بمن ينيبه، ويجب على الرعية طاعته في ذلك، لذلك يقول الإمام أحمد ــ رحمه الله ــ: والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة، البرِّ والفاجرِّ ويقول الطحاوي الحنفي: والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر المسلمين برهم وفاجرهم إلى أن تقوم الساعة. ويقول الموفق ابن قدامة الحنبلي: وَأَمْرُ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ. ويقول ابن تيمية: وَيَرَوْنَ إقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ مَعَ الْأُمَرَاءِ، أَبْرَارًا كَانُوا، أَوْ فُجَّارًا.
الخامس: أن يكون القتال تحت راية شرعية، قيادة شرعية تنظمه، فالجهاد لا يصلح بدون قيادة ولا راية واضحة ومعلومة، يقول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» وقال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».

قد يقول قائل من الإمام الذي تجب طاعته؟ وقد ذكر أهل العلم ذلك عند تفرق المسلمين واختلافهم إلى دول، مثل ما كان في أزمنة ماضية، ومثل ما نحن فيه اليوم.
يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب ــ رحمه الله ــ: فالأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يُعرف أن أحدًا من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم. اهـ.
وذكر مثل هذا الكلام الإمام الصنعاني، وكذلك الإمام الشوكاني، فإذا كان المسلم في بلد مسلم حاكمه مسلم، وانعقد الأمر له فإن طاعته في الجهاد واجبة، ولا يخرج المسلم إلى ساحات الجهاد إلا بإذنه، لكي لا يترتب على ذلك مفاسد تلحق بالإسلام والمسلمين، لاسيما في هذا العصر، فما يخرج الشخص من بلده الذي له فيه بيعة وطاعة إلى بلد آخر، ولو أراد أن يطلب العدو فخروجه من بلده الذي له حاكم مسلم، وله بيعة، وله طاعة تحتاج الإذن في ذلك.
هناك ضوابط أخرى ذكرها أهل العلم، ومنها: إذن الوالدين، وكذلك إذن الغريم إذا كان الجهاد غير متعين، فلا بد من إذن الوالدين، لأن الرجل الذي أتى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يسأله عن الجهاد قال له: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».
كذلك من كان عليه دين لشخص، فإنه يحتاج أن يستأذن من غريمه قبل أن يخرج إلى الجهاد المشروع الذي توفرت فيه الضوابط التي ذكرها أهل العلم

ضوابط جهاد الطلب المتعلقة بالمقاتل الكافر:
الأول: ألا يكون الكافر المقاتل ذميًّا، والذمي هو: من يقيم في ديار المسلمين وله ذمة مؤبدة.
الثاني: ألا يكون معاهداً، والمعاهد هو: من صالحه الإمام على ترك القتال.
الثالث: ألا يكون مستأمناً، وهو: من قدم على بلاد المسلمين بأمان، بتأشيرة دخول أو غيرها، مثل السفراء والأُجراء، ومن دخل لزيارة، أو طلب، أو نحو ذلك.
الرابع: وأن يكون المقاتل من أهل القتال.
الخامس: أن يكون القتال بمقابلة الكفار في المعارك، وليس بالتفجيرات، والاغتيالات والانتحارات التي تجر على المسلمين بلاءً وفتنة ومفاسد عظيمة.
الدليل على هذه الضوابط التي تتعلق بالمقاتل الكافر قول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً» رواه البخاري، وقد ذكر أهل العلم في معنى هذا الحديث : أن الذمي، والمستأمن، والمعاهد كلهم يدخلون في الحديث.

صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. كلام منضبط ومؤيد بالادلة ولكن من يقنع الديك كما يقال
    على الدعاة والعلماء والحكام غسل أدمغة المغرر بهم من داء ومرض الفكر الاخواني الارعن