أبشر الماحي الصائم

لا تقرأوا هذا المقال


[JUSTIFY]
لا تقرأوا هذا المقال

*ونحن بين يدي أعياد الاستقلال، لو طلب مني إنزال لقب باهظ لأجيال ما بعد جيلي البطولات والتضحيات لقلت بلا تردد إنها بامتياز (أجيال الهزيمة النفسية)!
* لما كان جيل الأزهري والمحجوب يرفع علم استقلال السوداني على سارية القصر الجمهوري إيذاناً بالاستقلال المجيد، كان جيل البطولات يومئذ كما لو أنه يصعد إلى قمة المجد والشرف الوطنيين ومن ثم بدأت الأجيال السودانية بعد ذلك رحلة التدحرج والتقهقر والانكسار والتراجع.
* بلغ الحال بأجيالنا، أجيال الهزيمة النفسية أن تسمى (إبراهومة الصغير) في لعبة كرة القدم وحتى في الفن (وردي الصغير) بينما عجزت تماماً أن تصنع حتى أزهرياً صغيراً في حقل السياسة، لقد تقدمت كل أشيائنا وتراجعت لدرجة التسليم بأنه ليس بإمكاننا إنتاج محجوب جديد وجكسا جديد وإبراهيم جديد فضلاً عن الأزهري والهندي وزروق!
* يقول لك بعض الذين لهم علم من كتاب ذلك العهد الذهبي: كان الواحد منا يضبط ساعته على مواعيد وصول قطارات السكة الحديد، ولئن كان قطار إكسبريس حلفا يدخل مدينة عطبرة عند الساعة الثالثة ظهراً فلا تترد في أن تدير عقارب ساعتك إلى هذا التوقيت عند وصول القطار، فقد تكذب الساعة ولا يكذب قطار هيئة السكة الحديد.
* قال لي أحدهم وقد أدى فريضة الحج في صدر سبعينيات القرن المنصرم إن الجنيه السوداني كان أعظم من كل العملات التي من حولنا سيما الريال السعودي والجنيه المصري!
* قالوا لما كانت سودانير عبر خط هيثرو تهبط في مطارات لندن وأوروبا كانت هنالك خطوط لدول كثيرة لم تتعلم بعد ثقافة الجري والطيران، كانت سودانير تنقل كل أفريقيا جنوب الصحراء إلى الحجاز لأداء فريضة الحج.. واليوم نستجدي الخطوط الكينية والإثيوبية وربما الإريترية!
* السودان هو ثالث ثلاث دول يكتب التاريخ أنها أسست اتحاد كرة القدم الأفريقي بل إن السودان قد أحرز كأس هذا الاتحاد في صدر السبعينيات ذاتها، على أن بعض الفرق الأفريقية التي تتأهل للعب في كأس العالم لم تستيقظ يومئذ بعد من نومها أو ربما كانت حديثة عهد بالاستقلال ولم تبلغ مرحلة ممارسة كرة الشراب في الأزقة.
* أما عن مشروع الجزيرة فحدث ولا حرج، كان يمثل عمود اقتصاد السودان وكان الريف السوداني قادرا بامتياز على صناعة غذائه، لم يكن لدينا نفط ولا ذهب، كانت لدينا زراعة وثروة حيوانية لم يوجد لها نظير في كل العالم.
*لكن أعظم انهيار ـ لا أعظم مشروع ـ يدمي القلب هو (انهيار المشروع الوطني) أن يكفر بعضهم بالوطن، أن يشهر بعضهم السلاح في وجه الوطن، أن يبيع بعضهم وبأرخص الأثمان وطنهم في سوق النخاسة الدولي؛ فنحن الآن دون مرحلة الإنتاج، نحن نكابد عمليات تماسك “الدولة السودانية” الآن بكل مراراتها.. أن يبقى الوطن ثم بعد ذلك ننظر في إمكانية الإنتاج والازدهار والاكتفاء ثم الرفاهية.
*وإذا ما تشكلت لنا رغبة جامحة وإرادة لننهض من جديد فعلينا أولاً أن نعيد الثقة في أنفسنا، أن نتخلص من الهزيمة النفسية الداخلية، أن يكون بمقدورنا الجهر بـ yes we can ثم بعد ذلك نجدد الثقة في الوطن، على أن تنشأ أجيال بأكملها على حب وطنها ثم نزرع قيم العمل والإنتاج والإخلاص بين الأجيال التي تتشكل الآن.
ساعتها يمكن أن نتحدث ليس عن إبراهومة صغير ووردي صغير بل يمكن أن نتحدث عن أزهري كبير آخر وجكسا آخر وسكة حديد أخرى ومشروع جزيرة جديد ووطن باهر كبير وكريم ومصان بالدم والدمع والشجون.. تصبحون على خير.

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي