مشاهدة عبر أنبوب: لا يمكن قراءة الأوضاع بعدسة العلاقات السياسية فقط.. تذكروا مأزق الاقتصاد وخيط الذهب الأسود الممتد بين الخرطوم وجوبا
لا يمكن قراءة المشهد الآني بالغوص فقط في العلاقات السياسية بين الدولتين، إذ أن ما يضع الدولتين في مواقف متأزمة ما يتعلق بأمر الاقتصاد والروابط الاقتصادية المشتركة أيضاً، خاصة في ما يخص أمر النفط الذي تعتمد جوبا على نقله وتصديره عبر الأراضي السودانية وهو الأمر الذي لم تتمكن جوبا من معالجته حتى الآن بالرغم من الدراسات التي تقدمت بها شركات لإنشاء موانئ وخطوط أنابيب عبر الأراضي الكينية.
ورغم أن النفط هو عامل صراع بين الدولتين حتى قبل إعلان الانفصال في يوليو 2011 إلا انه في ذات الوقت كان سببا رئيسا في تضميد كثير من الجراح بين الدولتين؛ فالمصلحة المشتركة من الذهب الأسود تجعل منه عاملا حاسما في حسم كثير من الإشكاليات الناشبة بينهما.
ولأن السيناريوهات تكاد تكون متشابهة فثمة ما يرى خلف الأبواب المغلقة في أن تقوم جوبا بإعادة للنفط واستخدامه كرت ضغط على الخرطوم وفي ذات الوقت لا يمكن أن تقف الخرطوم مكتوفة الأيدي وهي تعلم أنها تتحكم في اقتصاد جوبا عبر تصديرها للنفط الذي يعاني من تراجع الإنتاج بصورة كبيرة بسبب الصراعات الأمنية الناشبة في الدولة الحديثة. وبحسب الإحصاءات الأخيرة فان إنتاج نفط الجنوب وصل إلى 120 ألف برميل مقارنة بـ 350 ألفا.
وكانت صحف في الخرطوم نقلت عن مصدر رفيع بوزارة النفط في دولة جنوب السودان خبراً عن توقف حقلي سارجاث وفاريانق بولاية الوحدة عن الإنتاج تماماً الشهر الماضي، الأمر الذي أدى إلى تراجع إنتاج النفط الخام من حقل فلوج بولاية أعالي النيل إلى (120) ألف برميل يوميا، ًوقال المصدر إن حقلي سارجاث وفاريانق خرجا عن دائرة الإنتاج تماماً بسبب تأثرهما بالاشتباكات بين المعارضة المسلحة والجيش الشعبي لدولة جنوب السودان وأشار إلى تأثير توقف وتراجع الإنتاج النفطي على عائدات الدولة من العملة الأجنبية “الدولار” الأمر الذي سينعكس سلباً على حياة المواطنين.
الخرطوم أيضاً ليست بمعزل عن المعادلة الاقتصادية المرهونة بتساوي المعطيات مع جوبا، هي الأخرى تعتمد موازنتها على ما يجلبه لها نفط الجنوب من رسوم نقل وتصدير تسد به بعض مصروفاتها التي ترهق كاهل الميزانية ولا تزال تعتمد عليها وتنتظر التحويلات الشهرية التي تدرج بحساب في بنك السودان المركزي. ورغم انخفاض إنتاج نفط الجنوب إلا أن الرسوم تشكل عاملا مهما في حسابات استقرار أسعار النقد الأجنبي، وهذا ما جعل البنك المركزي يصرح بأن انخفاض أسعار صف الدولار أمام العملة الأجنبية ناجم عن استقرار وصول رسوم نفط الجنوب للخزينة المركزية.
غير أن للخبراء الاقتصاديين وجهة نظر مغايرة في أمر الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حديثاً؛ حيث يرون أن الخرطوم حاليا لا تعول على أي مصلحة اقتصادية مع جوبا وفي ظل الصراعات القائمة بالدولة الحديثة، وأكد المحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي انه من الصعوبة بمكان الاستفادة اقتصاديا من دولة جنوب السودان في ظل الأوضاع الحالية وقال إن الجنوب إذا لم يستقر ويتحقق فيه السلام فلن يكون ذا جدوى اقتصادية للسودان، لافتا في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى أن نفط الجنوب ينتج حالياً من ولاية أعالي النيل فقط بعد توقف إنتاج ولاية الوحدة بالإضافة إلى توقف التجارة البينية بين الدولتين والتي تقدر بملياري دولار في حدود تقدر بألفي كيلو متر تربط بين السودان وجنوب السودان، إلا أن ذلك، وفقا لفتحي، لا يعني وجود أي مصالح اقتصادية سواء نفطية أو تجارية أو حتى اتفاقية الحريات الأربع التي وقعت ضمن الاتفاقيات التسع التي وقعها البلدان بأديس أبابا في وقت مضى في ظل الوضع الأمني المتفاقم بالجنوب، ما يصعب معه إقامة أي علاقات اقتصادية بين البلدين، واعتبر فتحي العلاقات المتوترة بين البلدين سحابة صيف ستمضي مثل أخريات، لأن العلاقة بين البلدين تحمل أوجها ثقافية وتاريخية وإقليمية وقال إن إيواء الجنوب للحركات المسلحة بين البلدين يصعب في ظل تذيل جنوب السودان لقائمة الدول الأكثر هشاشة
اليوم التالي
خ.ي