داليا الياس

تراجيديا الغياب

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] تراجيديا الغياب [/B][/CENTER]

# معاناتي الكبرى مع وجداني أنني أحب الحب لذاته! فلم يكن يعنيني أيام كان الحب بسقفٍ مفتوح التفاصيل الشخصية للمحبوب بقدر ما كانت تعنيني الأغاني التي تذكرني به وأراه في كلماتها وألحانها الشجية، لم يكن يهمني راتبه أو وظيفته أو مستواه الاجتماعي أو درجاته العلمية، بل لم يكن يعنيني أصلاً مدى علمه بحبي له أو إعجابي به فالحقيقة أنه لم يكن سوى إعجاب، وهو ما اكتشفناه لاحقاً بعد أن اختبرنا أنواعاً جديدة من الحب أنبلها حب الأبناء فقد كنت ولا زلت على اعتقادٍ جازم بأن الحب يحلو بالمعاناة والشوق والغياب والحيرة.
إنني قطعاً لست مازوشية أتلذذ بتعذيب ذاتي، ولكن الحرمان في الحب وحده هو الذي أخرج لنا أعظم القصائد والمخطوطات الأدبية النادرة والأغنيات الخالدة، وهو وحده الذي دفعنا لاكتشاف مواهبنا والتعرف على قدرتنا الحقيقية على الصبر أو الإصرار في التعلق بحكاية الحب العظيم الذي نعيشه.
# وحكايتي مع الغياب تستحق أن تروى، فلم يبكني يوماً مثله منذ طفولتي الباكرة وأنا أبكي بدافع الغياب وملحقاته، لم أكن أحب غياب أمي عن المنزل بذهابها إلى العمل رغم امتناني العظيم لعملها الذي استعانت به على تهيئة حياة كريمة لأجلنا قدر الإمكان، كما لم أكن أحب غياب جدتي عن المنزل بسبب زيارتها لإحدى الخالات لأنني حتماً سأقضي ليلتي دون حكاية ممتعة تشحذ خيالي الغض بتلك الصور الخرافية الشيقة، وهو الذي جعلني لا أقوى لاحقاً على غيابي عن المكتبات والكتب لا سيما تلك الصغيرة التي تعرف بكتب الجيب، ولكم أن تعلموا أنني لم أكن أحتمل غياب (رجل المستحيل) الذي كان يمثل عندي ذلك الحبيب النادر بالقدر الذي جعلني أغار طويلاً من رفيقته وحبيبته (منى توفيق)، ولم تستطع كل هذه السنوات أن تقنعني بأنه لا يتعدى كونه شخصية وهمية من بنات أفكار الكاتب (نبيل فاروق) فتجدوني لا زلت أمني نفسي يوماً بلقائه على اعتبار أنه لا يزال في رحلته الطويلة إلى سهول (سيبريا)، وسيعود حتماً، فهذا لا يعدو كونه بعض الغياب.
# إنني اليوم أفكر جدياً في غيابي عنكم!! رغم أنه الفعل الوحيد الذي لم أقو عليه طوال العامين السابقين، فتجدوني كلما منيت نفسي بإجازةٍ قصيرة أعود فأترك بعض المواضيع المكتوبة لدى سكرتارية التحرير من باب الاحتياط حتى لا تشعرون بغيابي أو يحدث بعض الخلل في الشكل الثابت لصحيفتنا الحبيبة التي بدأنا رحلتنا معها منذ اليوم الأول للتأسيس، وليس الصدور يساعدني في ذلك الطبيعة المرنة للاندياح التي لا تستدعي ملاحقة الأحداث على الساحة السياسية بقدر ما يعنيها واقعكم الداخلي الاجتماعي.
إذن، لا يزال الغياب عقدتي الكبيرة، لا أقوى عليه ولا أحتمله، ولم يتغير انفعالي به منذ صباي الباكر رغم السنوات التي تراكمت على عمري نضوجاً وجلداً وموضوعيه، فلا تغيبوا عني، ولا تسمحوا لي بالغياب فأوجاعه لا تبرأ، وغصته في الحلق لا تزول.
ولا تمتهنوه يوماً، لا تمارسوه على أحبابكم، لا تعقدوا معه هدنة مهما كانت المغريات، فالغياب بدافع السفر والاغتراب سعياً وراء المال لن يشتري اللحظات الغالية التي فاتتكم بين دفء الأهل والوطن، والغياب بدافع الهجر ظلم لكم وللآخرين، وغيابي المفروض أحياناً لدواعي الاحتجاب لم ولن يكون سهلاً على خاطري وتفاصيلي اليومية التي كيفتها على ضوء لقائي الراتب بكم، وعلينا في غمرة الغياب أن نتذكر مودتنا وتعلقنا ببعضنا البعض.
ويا أيها الغائبون لدواعي الهجرة أو تلقي العلم أو العلاج أو حتى السياحة، .هناك من ينتظركم علي جمر الشوق والأمنيات الطيبة، هو مولع بكم ولكم أثركم البالغ في حياته ويدعو لكم بظهر الغيب، فلا تمعنوا في البعد والغياب حتى لا يباغتنا الموت سيد الغياب الأبدي، ونحن لا نزال على حافة اللهفة والجوى، عودوا في كل حين، وإن لم تشعروا بذلك الغياب الحزين.

[B]#تلويح:[/B] غيب وتعال، تلقانا نحن يانا نحن!!

[/SIZE][/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي