تقتيل الإنسان.. من حجر النار إلى “تقنية النانو”
يحكى أن الحرب السورية دون كل الحروب الأخرى الدائرة الآن والتي اشتعلت من قبل والتي تتهيأ للانفجار، أن هذه الحرب (العبثية) تقدم صورة حقيقية للطبيعة البشرية على امتداد ملايين السنين، منذ وجود أول بشري بدائي (يداقش) في الغابات ويحيا على الصيد والالتقاط ويقتل من يزاحمه على (الكلأ والماء والأرض.. والنساء)، ويطمر موتاه تحت الأرض أو يغرقهم في البحر ويمضي كأن لم يحدث شيء، حتى نصل إلى إنسان هذا العصر (التكنولوجي)؛ الذي باتت لديه القدرة على توثيق كل (جرائمه) بالصورة والصوت ونشرها ونقلها على أبعد مدى ليشهد عليها بنفسه وعلى نفسه في كل مكان.. فرغم السنوات الملايين التي اندثرت في أثر رحلة الحضارة من حجر النار حتى (تقنية النانو) ما يزال الإنسان يسفك الدماء ويتعبد شهواته!
قال الراوي: فظاعة الحرب السورية لا تتبدى فقط في حالة التقتيل اليومية التي تطال هذا الشعب الجميل على مدى ثلاثة أعوام بسبب حرب غبية دمرت كل شيء وحطمت بلدا كان حلما في مخيلة إنسان، وشردت المواطن السوري في بقاع الأرض المختلفة وأذاقته المذلة والهوان، كما لا تتبدى فقط في حالة التداعي المجنون لـ (صائدي) الشهادة والجنة من الإسلاميين الذين وجدوا في فوضى الحرب بيئة ملائمة لاستثمار بضاعتهم (الأخروية) بقتل (الدنيا) وسحقها ومحو البصمة الإنسانية.. حرب سوريا اللئيمة تعكس أكثر جوانب الإنسان قتامة وبشاعة وتوحشا، وذلك حين يترك المحارب الآخر أمامه يموت، لا بالسلاح، ولكن بالجوع وبطيئا جدا.
قال الراوي: هل تختصر هذه الحرب بالفعل رحلة الإنسان الحضارية وتؤكد أنه لم ينتقل في الوقت فعليا إلا بمقدار استبدال الرماح والسيوف والمنجنيق بالبنادق والدانات وقنابل الغاز؟ وهل تؤكد عمليا أن الإنسان لم يتطور في هذا المدى الزمني الطويل إلا بمقدار تجويع أخيه الإنسان توثيقا على الملأ بعد أن كان يقتله جوعا بالحصار من وراء الأسوار؟ وهل هذه الروح القاتلة المتشفية الحاقدة ظلت كامنة كما هي طوال هذا التقلب الحضاري المُدعى؟
ختم الراوي؛ قال: ما يحدث للاجئين الفلسطينيين في معسكر اليرموك في سوريا، شيء من الاستحالة احتماله أو تصوره أو تصديقه، لكنه يحدث، ويوثق وتنقله الكاميرات، وتحصي المنظمات عدد موتاه وضحاياه.. وهكذا.
استدرك الراوي؛ قال: ما الجدوى؟ وأين؟
أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي