رأي ومقالات

ابراهيم عثمان : دمعة تمساح !


[JUSTIFY]تعتدي إسرائيل على مصنع اليرموك فيسهر تلك الليلة و ليالٍ طويلة بعدها ليحصي و يضخم الخسائر متصدياً لكل من يحاول أن ينقل الصورة كما هي ، يتحاشى استخدام أي تعبير أو كلمة يُفهم منها أنه يدين الإعتداء و يجتهد ليجد المخارج التي تسهل له مهمة التقليل من حجم الجريمة في حد ذاتها كإعتداء مدان ،و ما بين التهوين و التهويل يدخل قلمه في شيزوفرانيا فاقعة فجة لا تغيب معالمها إلا عن ذي غرض و مرض . تحاول أن تلفت نظره إلى ضخامة الجرم في حد ذاته مهما صغرت الخسائر الناتجة عنه أو كبرت فلا يعيرك أدنى التفاتة فعيناه و أذناه و كل حواسه مشغولة بإحصاء الخسائر الناتجة عن ( الحادثة ) التي تسللت كلمات تبريرها بعدة طرق في تعليقاته بطرق ماكرة يغبطه عليها المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي . تحدثه بأن هذا عدوان كبير فيجادلك بأنه رد فعل صغير ، و المجتهد في التهوين من الجريمة الكامنة في أصل فعل الإعتداء يجتهد في ذات الوقت في تهويل الخسائر الناتجة عنه ! الرسالة النهائية التي تصلك مباشرة و التي أكدها في كل تعليقاته و مقالاته : مرحباً بإسرائيل و سلاح طيرانها كداعم للنضال و المناضلين . تحدثه بأن إسرائيل تعتدي بسبب إتهامها للسودان بدعم المناضلين و المجاهدين الفلسطينيين أصحاب القضية واضحة المعالم فيراوغك لينفي التهمة و يثبتها في ذات الوقت ! فمناضلنا الجسور يسعى بكل ملكاته في المراوغة و المناورة ليثبت التهمة كسبب للإعتداء و ينفيها كسبب للشرف و الإحتفاء فهو لا يعنيه من التهمة سوى عقوبتها التي يتباهى مع المعتدي بأن قدرة السودان على الرد عليها محدودة ،و تتسرب معالم سعادته بالإعتداء من ذات الجمل التي يحاول أن يقول فيها أنه غاضب للسيادة المنتهكة ، إن رأيت دمعة تسيل على خده فأعلم أنها دمعة الفرح .
تعتدي قوات التمرد على منطقة فيطير النوم من عينيه تلك الليلة حتى يتأكد أن الجيش و الدفاع الشعبي قد هُزِموا شر هزيمة و ليطمئن قلبه بأن القتلى و الأسرى كُثُر ، إن لم يكن هذا في قلبه حقاً فهو على الأقل ما تنقله كلماته بصورة واضحة لا لبس فيها ، و في اليوم التالي ترى كلماته تفيض بالحزن على الشهداء الذين كان لحظة المعركة ينصر قاتلهم و يحتفل مع المتمردين بأن عددهم كان كبيراً إلى الدرجة التي سمحت بأن يكون هناك عدد من معارفه من بين الشهداء ! و في قضية الأسرى ترى منه العجب العُجاب ، فهو يظن أن الأسير الذي لم ينصره و لو بكلمة قبل أن يقع في الأسر بل حرّض عليه و شجع و لا زال يشجِّع آسره ، يظنه في موقف الضعف و هو بين يدي أعدائه لذلك فهو يظن أنه على استعداد لأن تختل لديه الموازين ليرى أن من كان له سهمٌ في أسره هو حبيبه الذي يسعى لتحريره لأن من قاتل معهم و الذين لا زالوا يقاتلون قد قصروا و باعوه ! إن كان هؤلاء قد قصروا – و لا أظنهم فعلوا – و بسبب تقصيرهم تأخر إطلاق سراح الأسرى ، فإنه هو لم يقصِّر في التسبب بطريقة أو أخرى في أسرهم إبتداءً ، فقد تابعناه يقوم بمهمة الإسناد المعنوي للتمرد و التخذيل عنه فلا أظنه سيبخل عليه بمعلومة يمتلكها عن تحرك القوات يوصلها سراً خاصةً و أن ما كان ينشره علناً لم يكن يخلو من بعض المعلومات . ( الفقرة هذه ليست تعليقاً على المبادرة الكريمة للسائحون لإطلاق الأسرى و لكنها عن أؤلئك الذين كانوا و لا زالوا يدعمون التمرد علناً ) . لا تصدقوا أن عيناً سهرت محتفلة مع المتمردين ستبكي حزناً على شهيد أو شفقة على أسير .
( لا مرحباً بالحلول الأمنية ) عبارة تقرأها بصياغات مختلفة فقط عندما يكون التمرد محاصراً أو يتم تحرير منطقة منه ، و تغيب تماماً عندما تهجم قوات التمرد على منطقة ، و ساعتها هو لا يكتفي بالترويج لإنتصارات التمرد في تلك المنطقة بل و يروج لشائعاته عن محاصرة مناطق أخرى . و الحل الأمني ساعتها هو الحل الوحيد . المبادئ الكبرى التي يقول أنه ينطلق منها هي أول ما يدوسه عندما تعترض طريقه و تقف بينه و بين نصرة جماعته المتمردين ، المدنيون عنده صنفان : صنف يروج أن الطائرات تستهدفه حتى مع علمه أن الطائرات ليس من مصلحتها ترك الإرهابي المتمرد و استعداء المدني المسالم ، و صنف يسكت عن استهدافه و تهجيره و قتله متعامياً عن الحقيقة المؤكدة و هي أن الجيش لا يهاجم منطقة إلا إذا كان هناك تواجد لقوات التمرد فيها و أن التمرد لا يهاجم منطقة إلا إذا ضمن خلوها من الجيش أو ضعف الوجود الأمني فيها ، فالجيش يطارد المتمردين و هؤلاء يتفادون الجيش ما استطاعوا ، و لدينا الأمثلة في في أم روابة و أبو كرشولا ، فالمتمردون استغلوا غياب أو ضعف الوجود الأمني و دخلوا هذه المناطق فماذا فعلوا ؟ قتلوا و خربوا الكهرباء و المياه و الإتصالات و نهبوا البيوت و الأسواق بعد تشريد المواطنين ، المنطق الذي ينطلق منه هؤلاء يقول بأنه يجب ألا يهاجم الجيش أي منطقة يحتلها المتمردون طالما كان هنالك مدنيون و لكن نفس هؤلاء المتمردين من حقهم أن ينطلقوا من مناطق سيطرتهم تلك و يهاجموا المناطق الخالية من الجيش و يقتلوا و يخربوا و يهربوا ليحتموا بهؤلاء المدنيين . رغم أن الصورة واضحة كالشمس في رابعة النهار ، فالجيش من واجبه أن يؤمن المدن و القرى من هجمات هذه الجماعات الإرهابية و أن يحرر المدنييين المأسورين لديها و أي تقصير منه في فعل ذلك يجعل الملايين من المدنيين عرضة لهجمات هؤلاء . الصورة الحقيقية هي جيش يطارد المتمردين و يكف أذاهم و متمردون إرهابيون استهداف المدنيين و الإستفراد بهم هو عملهم الأساسي . فما الذي استفادته أبو كرشولا من فعائل التمرد ؟ الفرقعة الإعلامية و المكسب السياسي اللحظي يجعل المتمردين يدخلون في مغامرات يعرفون سلفاً أنها فاشلة و لن تدوم فيهربون تاركين قتلاهم و مخلفين وراءهم الخراب الشامل ، لا تصدقوا دموع التماسيح على المدنيين ( الذين يريدهم درع أبدي يحتمي به التمرد ) التي تسيل من عيون طالما تعامت عن معاناة مدنيين آخرين كان استهدافهم هو الأصل .

إبراهيم عثمان
[/JUSTIFY]