تحقيقات وتقارير

ردود فعل كبيرة وواسعة أعقبت نشر مقال للدكتور غازي صلاح الدين ..حول التعديلات الدستورية الأخيرة والتي وصفها بالانقلاب الدستوري


[JUSTIFY]أثار المقال الذي نُشر للدكتور غازي صلاح الدين، رئيس حركة (الإصلاح الآن)، قبل يومين حول التعديلات الدستورية الأخيرة والتي وصفها فيه بالانقلاب الدستوري، أثار الكثير من الجدل واللغط لا يزالان قائمان. فيما اعتبر البعض أن غازي وعبر هذا المقال رمى بسهامه في كل اتجاه، فسره آخرون بأنه يشي بأن الرجل يتعرض لضغط كبير بسبب نوع من عدم تصالحه مع الأوضاع التي لم يستطع سبر أمورها، ما جعله ينفجر بكلمات وتعبيرات لا تشبه طريقته في التعاطي مع أية أوضاع مهما بلغت قتامتها المعروفة والتي تعود عليها الرأي العام.

هذه المرة بدا الرجل مختلفاً وهو يكتب بلغة بسيطة وسهلة ومباشرة ومؤثرة، وربما هذا ما دفع البعض اعتبار الأمر كأنه استعارة لألفاظ لا تشبه (العتباني)، إلا أن الناظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، يبرر بأنه وصل مرحلة جعلته يعارض كل شيء، وهذا ما يجب النظر إليه بعين الاعتبار بعيداً عن التركيز على لغة الرجل المختلفة التي كتب بها المقال مثار الجدل.

ردود فعل كبيرة وواسعة أعقبت نشر المقال المشار إليه، إذ ابتدرت بعض الأقلام هجوماً شديداً عليه باعتباره أحد أعمدة النظام وأركانه، وأنه ظل لعقود كثيرة يوافق ويدعم قرارات ذات أثر أكبر مما يعترض بشدة عليه الآن.

بالنسبة لرئيس (الإصلاح الآن)، فإن مرافعته عن موقفه الراهن لا تعدو كونه ظل يدافع عن نفسه يقول: إنه كان دائما يحاول الإصلاح من الداخل، وإنه ظل يحتد كثيراً في الغرف المغلقة إلى أن فاض به الأمر وطفح الكيل وبلغ السيل الزبى في أعقاب فصله من الحزب وتنكر له رفقاء الأمس. غازي الذي سافر إلى القاهرة من أجل العلاج، اعتبرها رحلة من أجل علاج الذات من هذا الشد النفسي الذي تعرض له نتيجة الوضع السياسي المتردي بحسب وجهة نظره التي قال بها في غير مناسبة ولا زال يرددها.

ربما يمتلك البعض منطقاً في نقدهم (العتباني) نتيجة اتخاذه هذا الموقف المتشدد، لكنّ مقربين من الرجل يقولون إنه يتحرك وفقاً لمبادئ رسمها لنفسه منذ البداية، إذ كان يعتقد أنه يستطيع التغيير عبر الحجة والمنطق، إلا أن الأيام أثبتت له أن السياسة والقيم لا يجتمعان وأن لكل منهما مساران مختلفان وربما متوازيان. أنفق العتباني سنواته الطويلة داخل الحزب الحاكم بجلباب أبيض ناصع، حاول كثيرا أن يلعب السياسة بأسلوب الحكيم ومعتنق القيم والمبادئ، لكن يبدو أن التجربة أكدت أن تحقق ذلك دونه خرط القتاد، وها هو هو الآن أمام خيارين، فإما أن يفر منها وينفذ أو أن يظل ناشطاً سياسياً فعالاً شريطة أن يخلع عنه جلبابه الأبيض.

ما يستوجب التأمل هو تلك المعارضة الشديدة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم من قبل كل من ينشق أو يخرج عنه، وهذا ما يتضح لنا كلما تذكرنا المؤتمر الشعبي والشيخ الترابي، فقد كانت تصريحات الترابي ومواقفه إزاء المؤتمر الوطني وإلى وقت قريب – تتسم بالعنف المشوب بالسخرية اللاذعة، وكذا كان رد الفعل من جانب الحكومة صاعاً بصاع أعنف، إذ تعرض الشيخ كما هو معلوم – للاعتقال أكثر من مرة، فهل سيتكرر السيناريو مع غازي.. أم أن انفتاح الساحة السياسية على الحوار سيمنع هذا الأمر من الحدوث.؟

وهنا تبرز تساؤلات كثيرة.. هل من الممكن أن يتحرك عقلاء المؤتمر من أجل رأب الصدع بإثناء غازي للعدول عن مواقفه الأخيرة بإعادته مرة أخرى لدار الحزب أو مهادنته على الأقل.. أم أن العناد سيظل مسيطراً على الموقف كله.؟ بيد أن كثيرين لا زالوا يعولون على حكمة البروفيسور إبراهيم غندور، مساعد الرئيس ونائب رئيس الحزب، خاصة بعد نجاحه الأخير مع الشيخ موسى هلال.. فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟.. خاصة أن مراقبين وراصدين يرون أن العتباني خرج من أجل مصلحة السودان ينافح رأيه بالقلم والفكر والموعظة، وطالما أن الحكومة منفتحة على الحوار وتتبناه حتى مع الحركات المسلحة.. فلم لا تفعل ذلك مع العتباني.؟

إلى ذلك يبدو تعاطف المعارضة مع العتباني كـأنه من باب معارضتها للمؤتمر الوطني ليس دعماً مبدئياً لموقف غازي نفسه، وهذا ما جعل مراقبين يصفون توقيع الصادق المهدي معه بالقاهرة بغير المبدئي من جانب زعيم حزب الأمة، وأنه يستغل الأوضاع للاصطياد في الماء العكر وتسجيل نقاط إضافية لصالحه في سبيل الضعط على الحكومة والمؤتمر الوطني. يبقى، وهذا هو المهم، أن تهيئة الساحة السياسية في البلاد يسلتزم بالضرورة اختلافات في الرأي بما لا يفسد للود قضية، وإلا فستفسد الأجواء كلها.

صباح موسى: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]


تعليق واحد