تحقيقات وتقارير

أبيي ..هواجس (مابعد التحكيم)


البعض يصفه بأنه صراع من اجل برميل بترول، والبعض الآخر يراه صراعاً من اجل تحديد الهوية والثقافات العربية والافريقية وواقع السياسة الدولية بالرغم من ان الواقع يقول ليس هنا فارق كبير بين الدينكا والمسيرية من حيث التعايش السلمى السائد هناك لولا تدخل ايادٍ ترغب فى برميل البترول آنف الذكر.
منطقة ابيى ليست غنية بالنفط فقط، وانما ثرية بجمال وخضرة وطيب معشر وتسامح يكتنف اهلها حتى فى احلك ظروف الاحتراب. البعض يصفها (بالقشة التى ستقصم ظهر السودان ) ويحزر آخرون من أن تكون (كشمير السودان) ولكن اهلها الآن يسخرون من كل هذه المسميات، ومصرون على دحض الفتن والشائعات رغماً عن كل الظروف سواء حكمت لاهاى بها للجنوب او جاء الحكم لصالح الشمال لن تعود احداث مايو من العام الماضى إلا اذا عادت عقارب الساعة الى مايو، وسيظل دينكا اقوك والمسيرية قبيلة واحدة فى منطقة واحدة او منطقتين.
ولكن الكثيرين يرون ان الصراع الدائر فى منطقة ابيي بمثابة خيط من خيوط العنكبوت تنسج على مهل واتقان شديدين من مجموعة دول غربية، الامر الذى جعلها قضية شائكة ومعقدة استعصت على الشريكين، ومن ثم ضلت طريقها للجنة الحكماء فى لاهاى.
عصام زيدان كاتب صحافى يرى فى مقاله (أبيي.. السودان في مصيدة العنكبوت)
ان الصراع في منطقة أبيي يشكل خيطًا واحدًا من خيوط العنكبوت التي تنسج على مهل وتحيط بالدولة السودانية من كل جانب، ترسم ملامحها الدول الغربية فيما تعمل أذرعها المحلية بدأب على نسجها بإتقان وإحكام. واصفا القضية بالشائكة والمعقدة خاصة بعد وصولها للمجتمع الدولى الذى يتمنى ذلك منذ زمن بعيد لاحكام خيوطه باللعبة ولفها حول عنق الشمال.
ويبدى الآن المراقبون قلقا كبيرا على مستقبل المنطقة الذى يحدده واقع نتيجته اشبه باحتساب حكم مبارة لضربة جزاء في الدقيقة الاخيرة من عمر المباراة بمعنى لا مجال هناك للتعادل والكل فى المنطقة يتوجس خيفة وقليل من المتفائلين هناك من يوم الثانى والعشرين من الشهر المقبل (اليوم المشهود).
ومضى محمد سليمان قور عضو المجلس الوطني على نفس المنحى فى تصريحات سابقة له عندما أشار إلى أيادٍ خارجية تسعى لتأجيج الخلافات بين مكونات المنطقة في أبيي ومركزًا على رأس الأفعى في المنطقة، الأمريكي روجر ونتر، الذي اختارته الحركة الشعبية مستشاراً لها في ملف أبيي، والذي له مواقف سابقة مثيرة للشكوك وربما يقود المنطقة إلى حافة الهاوية من خلال مخطط يهدف الى تشكيل الخارطة الجغرافية للمنطقة..
الجدل الدائر فى ابيي يترك تساؤلات جمة اهمها هل النتيجة المرتقبة بمثابة انهيار أمنى مرتقب كما يراه المتشائمون أم أن التعايش السلمى كفيل بحل الازمة..؟
ولكن واقع الحال هناك يشير الى تضارب فى المعلومات حول امكانية تقبل الناس من الطرفين لنتيجة (ضربة الجزاء)، فأنباء الامس نقلت عن ان التجار فى منطقة ابيي خرجوا ببضائعهم فى عملية استباقية لنتائج التحكيم، حاملين معهم ذكريات اليوم الاسود من مايو الماضى. لدرجة بلغت ان يطالب فيها وزير مالية ابيي، آر دينق ،رئاسة الجمهورية بالتدخل الفوري لوقف تسرب التجار من المنطقة ،مشيراً الى مغادرة اعداد مقدرة من التجار لأبيي تخوفاً من ملابسات اعلان قرار هيئة التحكيم المرتقب.
وقال دينق فى تصريحات له امس إن الادارية فشلت في تطمين التجار الموجودين بأبيي، موضحاً انه يتوقع ان يغادر بنهاية الشهر الجاري جميع التجار المنطقة والمقدر عددهم بثلاثمائة تاجر تخوفا من ان يقود اعلان قرار هيئة تحكيم أبيي الى عدم استقرار في المنطقة، وتكرار احداث مايو الماضية (وربنا يكضب الشينة) ولكن المراقبين يرون ان المنطقة ستشهد فجوة غذائية خاصة أن الاسعار آخذة فى الارتفاع بحسب دينق لا سيما وان الامر يتزامن مع موسم الخريف.
ولكن الجانب الثانى فى المنطقة كان متفائلا لدرجة كبيرة، ويرى محمد الدوريك معتمد ابيى ان المنطقة الآن فى قمة امنها واستقرارها وقمة تعايشها السلمى للدرجة التى قررت ادارية ابيي انعقاد مؤتمرين للتعايش السلمى استباقا للنتائج وذلك لتطمين الناس بها ونفى أى تحرك للتجار من المنطقة.
ومضى الدوريك فى حديثه لـ «الرأى العام» ان على الناس ان لاتتوقع عودة احداث مايو وسندحض شائعات كشمير السودان والقشة التى قصمت ظهر البعير ونقول ان ابيي باقية نسيجها الاجتماعى سواء كانت النتيجة شمالية او جنوبية وعلى الناس عدم استباق الاحداث وعدم الانخراط خلف الشائعات الهدامة.
ومضت الامم المتحدة الرقيب على الاطراف والشاهد الوحيد على الاحداث الماضية فى المنطقة ايضا متفائلة بالمستقبل مهما كانت النتيجة كما قالت، وقال كوايدر زروق الناطق الرسمى للبعثة الامم المتحدة لـ «الرأى العام» فى هذا الخصوص على الجميع عدم استباق الاحداث وانتظار النتيجة ونحن نعمل الآن على تهيئة المواطنين لتقبلها مهما كانت ولانتوقع عودة الاحداث للمنطقة مجدداً خاصة وان الجميع اخذ الاعتبار من احداث مايو الماضية.
اما الدوريك اشار الى انه مطمئن لنزاهة التحكيم واستبعد اى تدخل سياسى من دول أجنبية (ناسجة الخيوط) فى القرار كما يرى المراقبون، مشيراً الى ان النتيجة ستتم معالجتها بالتعايش السلمى الذى حددت المنطقة لها مؤتمرين فى ابيي وفى المجلد هذا الشهر.
ولكن دينق برأ ساحة الشركين من اية نوايا سيئة لجر المنطقة لصراع تتقاطع فيه رغبات السياسة الدولية فى المنطقة عندما قال «نحن متأكدون تماماً لا الحركة الشعبية ولا المؤتمر الوطني لديهما نية خرق اتفاق السلام الشامل مهما كانت نتائج هيئة التحكيم».
ومهما يكن من امر ستظل ابيي منطقة التقاء الثقافات العربية والافريقية بين الشمال والجنوب فى حال صدقت الرؤية المتشائمة وتظل نموذج التعايش السلمى فى الحالة الثانية كذلك.
خالد فرح :الراي العام