رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : البرلمان وجدل مفهوم التجنيب


كان موضوع قانون حق الحصول على المعلومة في البرلمان أمس إلى جانب انتقاد المادة «19»، من القانون لمخالفتها قوانين الإجراءات المالية والمحاسبية. كان موضوعاً خادماً بقوة لعملية فصل السلطات. ما يعني أن الدولة وبهذه الصورة الجدلية العميقة داخل البرلمان قد أصبحت دولة مؤسسات إلى حد كبير.. وهذا يعني أن تأجيل الانتخابات مثلاً لارضاء قوى سياسية هي التي فتحت المجال واسعاً جداً لعدة انقلابات في ثمانينيات القرن الماضي وليس واحداً من حيث الفكرة وليس التنفيذ يعيد البلاد إلى «اللأ مؤسسية» .. لصالح أسر معينة واحزاب قزمية قد هرمت وهي متوقفة النمو ولا هم لها غير زرع القيم العنصرية مثل حزب البعث الذي حكم العراق وسوريا دون مؤسسية وزرع القيم الأخلاقية الجديدة المخالفة للفطرة السوية مثل الحزب الشيوعي الذي حكم جزءاً عظيماً من الأرض سبعين عاماً لكن هذه الأخلاق أودت به إلى هاوية الفكر ومزبلة التاريخ.
فهل تأجيل الانتخابات مثلاً لارضاء مثل هذه القوى السياسية؟!
إن حق الحصول على المعلومة وسن قانون للمعاقبة بالغرامة أو السجن لصالح هذا الحق. أمر يدهش الكثير جداً من عوام الناس. وقد يتساءلون ساخرين عن أي معلومات يعاقب القانون على حجبها وعن من؟!
إن المواطن نعم يريد قرارات وليس معلومات.. ولذلك يجب إبعاد أي مسؤول رفيع إذا لم يتخذ القرارات المفترض اتخاذها في حدود المكن لصالح المواطن سواء كانت متعلقة بالتنمية أو الخدمات أو الترفيه. لكن حجب المعلومة الذي يكون عظيماً على بعض المؤسسات لن يلتفت إليه الكثير الكثير من الشعب.. ويمكن القول بأن المعلومة إذا ما حجبت فإن هذا سيلحق الضرر للمواطن دون أن يشعر بمصدره.. ومثل هذا القانون ليس هو الأولوية الآن.. فهناك ما هو أولى بالانشغال منه داخل البرلمان، فهل مثلاً فكر البرلمان في سن قانون يمنع إنشاء المباني وزراعة النباتات بين النيل والاسفلت فتحرم السائر أو الساري أو الراكب من التمتع بالنظر إلى النيل وتزيد في الاختناق المروري؟ هذا على سبيل المثال.
لكن مع ذلك فإن القانون قد تعرّض لانتقاد شديد صوبه بعض النواب للمادة 19، فقد اشتموا منها رائحة فرصة للتجنيب تجنيب المال العام. أي أن القانون غير المهم جدًا في هذا الوقت لم تُنكّس به قائمة الأولويات فحسب بل تضمن اتاحة فرصة للقيام بتجنيب المال العام كما رأى البعض، ويقول الخبر «أقر البرلمان القانون وانتقدوا المادة 19» .. انتهى.. والمادة «19» صوبت لها سهام النقد لأنها تنص على: «تستخدم الموارد المالية للمفوضية في دفع أجور العاملين ومكافآت أعضاءها أو أي بنود صرف أخرى».
لذلك وجهوا بحذفها لمخالفتها قوانين الإجراءات المالية والمحاسبية. ويقول الخبر إنهم اعتبروها إيذاناً بالتجنيب. إذن البرلمان ـ وبغض النظر عن تقديره هذا ـ قد استل سيفه بالفعل لمحاربة التجنيب، وها هو قد بدأ يشهره بالفعل. فحتى في فقرة وردت ضمن قانون استشعر انها يمكن ان تفتح باباً للتجنيب. إذن المؤسسة التشريعية تعمل بقوة وبفهم برلماني عميق، أو ليس بعد ذلك هي الأجدر بان لا تؤجل انتخاباتها حتى لاتظل غير شرعية وتمارس في نفس الوقت الشرعية؟!!
إن التصرف في أي مبلغ من المال العام بهذه الصورة التي تقرها المادة «19»، تفتح الشهية للتجنيب إذا لم نتحدث عن غير ذلك مماهو أسوأ.
ليكن الآن سن قانون حق الحصول على المعلومة، لو كان هذا هو الحاجة الماسة الآن للمواطن. لكن علينا أيضاً أن نشيد بالموقف التشريعي الصلب لجماعة الدكتور الفاتح عز الدين، وهم ينقلون البلاد إلى مستوى المؤسسية ليحققوا من خلال ذلك تطبيق قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم). وقوله جلت قدرته: (وشاورهم في الأمر).
إن الشورى حول (التجنيب) وأي طريق يؤدي إليه محسومة لأن التجنيب لمن يفهمه من أهل الاقتصاد وخبراءه هو ضرب من ضروب الفساد. لذلك ينبغي ألا يؤيده أو يقره مسؤول رفيع أو أقل من ذلك فهذا أمر غير مشرّف البتة وهو بمثابة انتهاك لحقوق المواطن. وبالفعل انتهاك.. وعاش صمود البرلمان.

الانتباهة