رأي ومقالات

من لا يستطع عليه الاستقالة..!!

إن العمل فى الدول المتقدمة، والتي تتطلع نحو النهوض لا يُكلّف به إلا القادرون والمتميزون فى أدائهم، والمعروفون بإنجازهم، المستند إلى الكفاءة والتأهيل، إذ يبقى فاقدو الموهبة، ومدمنو العطالة بعيداً عن المواقع الحساسة، والمملوكة بكاملها للجماهير.
> والدول التي سبقتنا في مضمار الصناعة والحداثة، وتكنلوجيا الاتصال والمعلومات، لم يتم ارتيادها لتلك الآفاق بمجموعات تعوزها المعارف العلمية، ولا التجارب العملية، وإنما توسلت بالعلماء الأفذاذ، والشخصيات التي أصابت ذروة سنام المعرفة، بالدراسات العميقة، والخبرات المصقولة، فكان الذي نراه من دول عملاقة، وبيوتات لا تهتز في مجالات الاختراع والإبداع.
> وفي بلادنا، لاأرى أن دولاب الدولة، وصناعة السياسة في مكاتبها، تختط هذا المسار، وإنما إنشغل ولاة الأمر بتحديات اختلطت فيها جوانب الأولوية، واضطربت معايير التسلسل، فكانت البداية ليست من الخانة الأولى، بل قفزت إلى العاشرة، أو ما فوق ذلك، وهذا هو مصير الذي أجهدته وطأة التكاليف، وهاجمته صروف الزمان، بمصائب وابتلاءات فاضطربت لديه موازين التسلسل، وغابت عن عقله حسابات المنطق فراح هنا وغداً هناك فكانت النتيجة بأنه لا غداً ولا راح.
> والنصيحة التي نأمل أن يستمع إليها من أُسندت إليه أية مسئولية، ألاّ يتطاول على مهمة ليس لديه ما يكافئها، وألاّ يجعلنا نهدر زمناً هو مخصومٌ من عمرنا، أو مالاً كلفنا جمعه الغالي والرخيص، فنحرق ثروة بجهلٍ تأبطنا، ونُفشِلُ سعياً بُذِلَت من أجله أنفس وضحى في سبيله شهداء، هم ثمرة الفؤاد، وفلذات الأكباد.
> والاستقالة من المنصب ليست عيباً لمن وجد أنه عاجز، أو أن هناك من هو أجدر منه على سد ثغرة ظلت مكشوفة، ومسؤولية استمرت دون أن تجد من يتحملها، ويعطيها ما تستحق من جهد ووقت.
> فالمعتمد لمحلية من المحليات إن ظل أهلها يجأرون بالشكوى، ويعانون من أكوام القمامة وسوء التنظيم، ورداءة الطرق، وجيوش الذباب، ودربكة الحركة، عليه إلاّ يتجاسر بالبقاء فى موقعه، وإلاّ فإن العبء لإعفائه يقع مباشرة على من عينه، وأوكل إليه مثل هذه المهمة، وإن لم يفعل، فالظلم ظلمات يوم القيامة ولات ساعة مندم.
> والوالي بأية ولاية الذي تعيش رعيته على الكفاف، ومواطنوه على العذاب، فلا يكلف نفسه بالمرور على بيت للمسكين، ولا يربت على كتف لليتيم، ويبقى فقط مستريحاً في قصره الفخيم، وبين حراس أمنه، ورعيته غير آمنه، ولا مطمئنة، فهو والٍ أقل ما يقال عنه إنه سفيه قومٍ وجد نفسه على رأس أمة، فخيب ظنها، وأفشل أملها، ومن الخير له ألف مرة أن يبارح الموقع، ويترجل عن هذا الكرسى، بدلاً من أن تلاحقه لعنات الجماهير، وقبل ذلك يحل به سخطٌ من الله، وبؤسٌ يجعل مصيره أسوأ من مصير النمرود بن كنعان.
> ومدير المؤسسة الذي يغلق بابه عن موظفيه، أو عن الجماهير التي تطلب خدمة يفترض فيه أن يقدمها لهم فهو مدير فاشل، ينبغي أن يصُدر بحقه قرارٌ للإعفاء قبل طلوع الشمس، وليس بعد غروبها، وهذا النمط من المديرين في المؤسسات والوزارات والهيئات ما أكثرهم، وإن اضطررنا سنورد أسماءهم ومواقعهم، دون خشية، في مقالات لنا بإذن الله قادمات، وعليهم أن يستعدوا لحلاقة رؤوسهم قبل أن تحلق لهم على وجه الإجبار والإكراه.

ربيع عبد العاطي عبيد
صحيفة الإنتباهة