عبد اللطيف البوني

ثورة المتعافي الداجنة


[JUSTIFY]
ثورة المتعافي الداجنة

الدكتور المتعافي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى سنوات، تحديداً عندما كان والياً للخرطوم، ثم وزيراً للزراعة؛ مثير للجدل لما له من رؤية متقدمة، ولكن في أحيان كثيرة تعوزها آليات التطبيق على الواقع، ولما له من حركة دؤوبة واقتحام وفصاحة بيان تجعله جاذباً للإعلام. ولا شك أن الإعلام قد افتقده بعد أن أصبح اليوم متقاعداً سياسياً. فمن شطحاته التي سارت بها الركبان مقولته عندما كان والياً للخرطوم، أنه سوف يجعل الدجاج أكل الفقراء في العاصمة، وبالتالي كل السودان. وقد شرع في تطوير صناعة الدواجن حول العاصمة، ولا شك أن الناس يتذكرون صورته التي انتشرت انتشاراً واسعاً، وهو في حالة التهام بمزااااج لـ(ورك) دجاجة، ليدفع عن الدجاج ما أشيع من مرض يومها. لقد كان الدجاج لا يتوافر إلا في موائد الأغنياء أو المطاعم الفاخرة في الخرطوم، وهذا يناقض ما عليه العالم كله، فصناعة الدواجن -كما هو معلوم- من أسرع الصناعات، ولا تستغرق دورة الحياة فيها أكثر من شهر ونصف، لذلك يكون من الطبيعي أن تكون أكل الفقراء بما توفره من لحوم وبيض.
الآن يمكن أن يقال وباطمئنان شديد، إن ثورة المتعافي الدجاجية قد نجحت، وإن الذائقة الغذائية لأهل السودان بدأت تتغير وبسرعة، من اللحوم الحمراء إلى اللحوم البيضاء، بسبب تدني دخل الفرد أولاً وأخيراً، وليس هروباً من الكلسترول. ففي المطاعم الشعبية أصبحت الشوايات الدجاجية أكثر من أسياخ الشية وحجارة السلات الأدروبية، وفي الكافتيريات تحولت شاورمة اللحوم إلى شاورمة دجاج، وفي البقالات زاحمت ثلاجات الديبفريزر المحشوة فراخاً ثلاجات البارد، وكذا الحال في مطابخ الأسر العادية، والأمر لا يحتاج لدرس عصر، فثمن كيلو الضان يساوي ثمن ثلاث دجاجات، وفي طريقه للأربع، فالأسرة التي تصنع إيدامها بنصف كيلو لحم يومياً، استبدلته بدجاجة، وكان الله يحب المحسنين.
غرفة الدواجن التابعة لاتحاد أصحاب العمل، نشرت يوم الخميس صفحة تسجيلية في صحف الخرطوم، وما كان لي أن أتوقف عندها لولا أنه أصبح لديّ اهتمام خاص بهذا القطاع؛ فالمعلومات الواردة فيها من الأهمية التي يمكن أن تجذب الإعلام بدون مادة مدفوعة الأجر؛ إذ جاء فيها أن قطاع الدواجن نما نمواً مذهلاً، وأصبح التالي لقطاع البترول، وأن الاستثمارت فيه فاقت الخمسمائة مليون دولار، وهي في تصاعد وتعاظم في عدد المشتغلين في هذا القطاع؛ كل هذا والدولة لم توفر له أي معينات، بل تحاربه حرباً غير مقصودة بتصديرها أهم مدخلاته مثل الأمباز والرَّدَّة (بفتح الراء). أما مدخلاته المستوردة؛ فقد تفاحش ثمنها لارتفاع أسعار الدولار، عليه أصبحت مطالب هذا القطاع واضحة، وهي إيقاف تصدير الرَّدَّة والأمباز بأعجل ما تيسر، ولو كان لدينا متخذ قرار اقتصادي فالح، لَدَعَمَ دولار مدخلات الإنتاج المستوردة لصناعة الدواجن، وتكرم عليه بتغطية من المخزون الاستراتيجي للذرة، واذا استمر تصدير الأمباز والرَّدَّة وارتفاع أسعار الدولار، فإن هذا القطاع سوف ينهار فهو سريع النمو وسريع الانهيار، وكلها 45 يوماً في الحالتين، وليأكل الفقراء (نيم).
بعيداً عن قطاع الدواجن، من المؤكد أن تصدير الرَّدَّة والأمباز والبرسيم، فضيحة اقتصادية مجلجلة؛ فالدول الناجحة تصدر اليوم المنتج النهائي، والدول (التعبانة) تصدر المواد الخام، أما الدول الفاشلة فهي التي تصدر مدخلات الإنتاج الأولية، فنحن بدلاً من أن نصدر ألباناً مجففة ولحوماً حمراء وبيضاء؛ نصدر برسيماً وأمبازاً ورَدَّةً. لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبمناسبة المتعافي، نزيدكم من الشعر بيتاً، فقد نجح القطن المحور وراثياً في الجزيرة، وفاقت الإنتاجية المعدل بكثير، لكن للأسف ما دخل جيب المزارع إلا البؤس وهذه قصة أخرى.

[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]


تعليق واحد

  1. ( وبمناسبة المتعافي، نزيدكم من الشعر بيتاً، [COLOR=#FF003E]فقد نجح القطن المحور[/COLOR] وراثياً في الجزيرة، وفاقت الإنتاجية المعدل بكثير، لكن للأسف ما دخل جيب المزارع إلا البؤس وهذه قصة أخرى.)
    طيب يكون نجح كيف ما دام ملأ جيب المزارع بؤس ؟؟؟؟ ألحق الناس بالشرح يا بروف
    لأنو الأيامات دي شايف مكنة : إرتفع إنتاج الفدان من 4 أو 5 قنطار في أفضل حالاته إلى 17 قنطار ، و برضو سمعنا بحكاية المرأة التي أنتجت 22 قنطار للفدان في الرهد و و و و و و و) ربما هذا هو النجاح الذي قصدته بعاليه، و النجاح الحقيقي عندنا هو أن يصل مزارعنا مرحلة من الترف بأن يرص الهدوم في التلاجة بدلاً عن الدولاب ( و هذه كناية عن البطر و جريان القرش في اليد ، و ليس الإستخفاف و العياذ بالله). و الله يولي من يصلح