فساد الكراسي
# ترى هل تندرج مسألة الواسطة والمحسوبية واستغلال النفوذ تحت بند الفساد الإداري الذي خُصِّصت له مفوضية بأكملها، ثم لجنة منفصلة، أم أن انتهاك المال العام لا يتجاوز ما نسمع به كل يوم من اختلاسات مالية طائلة لا يعرف لها أثر؟!
يدهشني جداً عدد الوظائف التي يبقي البعض متكلساً على كراسي السلطة بها حتى بعد أن يكون ثروة طائلة، ولا يرغب في النهوض والمبارحة ليمنح غيره فرصة الإصلاح والتطوير أو حتى الاستفادة.. وتجده يبذل قصارى جهده في التشبث بهذا الكرسي بكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع حتى يكاد أحدهم يكون مشغولاً تمام الانشغال عن وظيفته الأساسية المهمة والمؤثرة في حيات الناس بما يحيكه من دسائس، وما يأتي به من تصفية لحساباته الشخصية مع كل من يرى فيه الندية، ويفترض أنه يشكل خطراً على موقعه ومصالحه وسلطاته.
# لهذا نشكو من الفساد.. ويشكو شبابنا لطوب الأرض من البطالة.. ويمعن (الكبار) في سن القوانين والتحايل بالقدر الذي يبقيهم على ما هم عليه سنيناً عددا.. يتمتعون بالسلطة والهيلمان.. يركبون العربات الفارهة ويبتكرون المشاركات الخارجية ويضحكون بصوتٍ عالٍ حتى تهتز أوداجهم المنتفخة من فرط السمنة التي تكدست شحومها على ضمائرهم وقلوبهم، فما عادوا يرون أبعد من جيوبهم وأفواههم.
ترى حتى متى يطول عمر وظائف البعض ومناصبهم حتى ينتهي بالموت؟ ولماذا تظل مؤسساتهم على ما هي عليه من بؤس وتراجع في الخدمات وتردٍّ في بيئة العمل ولا يتنامى سوى دخلهم الفردي.. وكلما ارتفع صوت ينادي بالتغيير أو يأتي بفكرة للتطوير أو يقدم مقترحاته للتجديد تركوا كل الملامح الإيجابية في شخصيته ومبادراته وانشغلوا بالبحث هن وسيلة لإقصائه ومحاربته!!
# لم يعد هناك قيادي نافذ إلا واستحق جميع أفراد أسرته اللقب، وراحوا يتمتعون بكافة الميزات والصلاحيات المكفولة وغير المكفولة.. الظاهر منها والخفي.. المنطقي والمفتقر للمنطق.. بل أن بعضهم يصبح ملكي أكثر من الملك ويمعن في إظهار جبروته على خلفية تلك القرابة البعييييدة من (سعادتو)..
يروعون الخلق.. ويفترون على الناس.. ويحصلون على كل ما يبتغونه بذريعة تلك القرابة.. يبذلون الوعود ويبيعون الوهم ويتاجرون بنفوذ ذلك القريب بعلمه أو دونه.
فكيف بالله عليكم نمضي قدماً، ونحن منغمسون كلياً في لعبة الكراسي تلك نتلفت حولنا كالمجانين، خشية أن يبرز لنا منافس من حيث لا نحتسب، ودون أن (نقص) عليه الطريق، وما أدراك ما ذلك (القص) بكل تقاليعه المادية والمعنوية.
# غير أنه لا بد أن تدور الدوائر وإن طال الأمد.. ويا ويح قلبي من مآلات أولئك الفراعنة الذين ظنوا يوماً أن سلطاتهم خالدة، فما لبثوا أن أتتهم الصاعقة، فأصبح كل واحد مهنم بين ليلةٍ وضحاها نسياً منسيا، وراح يتخبط بين دواوين الخدمة الوطنية يستجدي الناس بعض العون والاحترام أعطوه أو منعوه، وليته احتاط لمثل ذلك اليوم، فترك بعض الود القديم والامتنان محفوظاً في خزائن المودة.
فدعونا لا نؤمن كثيراً بقضية النفوذ البائد تلك.. فمن تواضع لله رفعه.. ومن أكرم خلق الله أكرمه الله، على إلا تكون تلك الإكرامية من ذلك النوع الذي دفع بنا لإنشاء تلك الآلية الضخمة لمحاربة الفساد، التي أحسبها عاراً في جبين أمتنا لم نكن في حاجة إليه لو أن علمنا علم اليقين بأن هذه الدنيا غرورة ولا تدوم على حال، وكل (كرسي) مصيره وصاحبه إلى زوال.
إندياح – صحيفة اليوم التالي