لا يوجد عرض سوداني!
تحت عنوان (عين على الشارقة) كتبت الاستاذة ماجدة حسن لصحيفة (الرأي العام) صفحة كاملة استعرضت عبرها بمهارة ودقة زائدتين فعاليات مهرجان المسرح بمدينة الشارقة في الفترة من 10-17يناير الجاري، ماجدة من نوع الصحفيات اللائي ينطقن بلغة مغايرة للسائد في ميداني الفنون والمنوعات فهي موضوعية في مضمار اتسم باللهوجة ومتقصية للمعنى في مسرح اعتاد سفح المعاني.
أوجعني انها كشفت لنا أن السودان لم يكن مشاركا في العروض المسرحية التي امتدت لاسبوع بيد أن وفدا كبيرا شارك في المهرجان، ونقلت وجع الاستاذ مكي سنادة وحسرته على ذلك الغياب.
الموجع حقا أن اهتمام السودان بالفنون المسرحية يعود للعشرينيات من القرن الماضي، أيام كانت الجزيرة العربية إبلاً وتيهاً وسراباً وصحارى.
ساند ذلك أن الدكتور الراحل أحمد الطيب حصل على درجة الدكتوراة في المسرح العربي الحديث عام 1934م وهو أول عربي يحصل على هذه الدرجة العالمية الرفيعة من بريطانيا وكانت أطروحته حول مسرح الشاعر أحمد شوقى، المؤلم أن أجيالنا الجديدة لا تعرف هذا الاسم، وليس بغريب أن يرحل عن الدنيا وهو في شبه حالة اغتراب ذهني.
الحوار اللاهب القائم على قاعدة الاسى الذي نقلته ماجدة على لساني الممثل العبقرى الوازن مكي سنادة والرشيد أحمد عمر على خلفية غياب السودان ومسؤولية الدولة أو عدم مسؤوليتها، يقودنا إلى أن الدولة لا تصنع الابداع لكنها مسؤولة عن منابره، فهي لا تدخل في كتابة النص لكنها ملزمة بإيجاد مكان لذلك النص (مسرح- قاعة- هواء طلق) وهذا ما يجعلنا باستمرار طرفا في المعادلة التي تتكامل بعملية إبداعية كاملة، ربما لا تكون للدولة مسؤولية تجاه الشعر والرواية، لكن مسؤوليتها تجاه المسرح تظل قائمة ومطلوبة.
لقد طرح الطيب صالح بفردانية أدبا هز عروش الرواية العالمية وترجمت أعماله لكل لغات العالم لكنه لم يكن عضوا في اتحاد أدبي، أو كان يمثل جماعة أدبية، أو يعبر عن مواقف حكومات.
كانت الحكومات تحتفل به، وهو ينام ملء جفونه عن شواردها، هذا ينطبق على الروائي، لأن القص والسرد والحكي طاقة فردية لا تتطلب سند الحكومة وعضد الدولة، ومثل ما كان عليه الطيب صالح يصير عليه أورهان باموك التركي وماريو بارغاس يوسا وماركيز ويوسف زيدان، لكن أعمالهم الادبية حين تتحول لمسرح على يد مخرج مقتدر فذلك يتطلب مساندة قوية من الدولة فالأثر الادبي هنا يتحول من حالة ذهنية لحركية تتطلب مسرحا واتساعا في الرؤية ويتطلب في المقام الاول أن تكون للدولة ذائقة أدبية.
لقد أسعدني كثيرا ما قال به وزير الثقافة الحالي الاستاذ الطيب حسن بدوي إنه كان يكتب الشعر في سني دراسته الثانوية وكان يلقب بـ(علي الجارم). وكما تفيدنا سيرة الشاعر الكبير علي الجارم أنه بجانب الشعر الذي برع فيه كانت له اهتمامات مسرحية ومن هنا ندعو الله أن ينقذ مسرحنا بـ(علي الجارم)!.
الملاحظة الجديرة بالطرح ليس هو غياب السودان عن المشاركة في العروض، ربما كان الأمر سيمتد الى غيابه عن العروض والتحكيم والمشاركة الرمزية لولا وجود الدكتور يوسف عايدابي الشاعر والمسرحي السوداني الذي يعمل مستشارا ثقافيا لحاكم الشارقة فأنا أجزم بحكم المعرفة بتفاصيل مهرجانات الشارقة أنه كان وراء تلك الدعوة، ولولاه لغاب السودان عن المشاركة والوجود الرمزي، إنها محنة كبرى ليس أمامك إلا أن (تفِح وتوِح) على وجهها.
[/JUSTIFY]
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني