محمد محمد خير

حرب الهوية

[JUSTIFY]
حرب الهوية

شكك الدكتور أمين حسن عمر قبل عامين في إمكانية نشوء دولة وطنية بجنوب السودان معللاً ذلك بعدم وجود حاضن وطني ينبثق عن هوية وطنية جامعة، وتنبأ بحرب ضروس ستقع في الجنوب تقضي على مفاهيم الحداثة السياسية من ديمقراطية، وحريات، وحقوق إنسان على خلفية التطاحن القبلي الذي طبع الحياة في الجنوب.. جاء ذلك في أربع مقالات كتبها لصحيفة (الرائد) عقب انفصال الجنوب مباشرة.
أعتقد أن كثيرين ممن قرأوا تلك المقالات قفزوا من مفهومها الاستراتيجي الذي حملته إلى (القطامة) التي عرف بها أمين، لكنني أخذت قراءاته واستنتاجاته على نحو يتماشى مع الحقائق الموضوعية التي حملتها.
عشية اندلاع الحرب العبثية الدائرة في الجنوب تذكرت تلك المقالات ومضامينها والاستنتاج الوثوقي الذي ذهبت إليه باطمئنان وحتميته على أساس الهويات المتنافرة التي لا تربط بينها لحمة ناظمة لها.
يقودنا ذلك لسؤال يتجاوز الهويات المتصارعة يتصل بالسياسي الجنوبي وقدراته على بناء وخلق منظومة سياسية ثقافية اجتماعية في ظل غياب مركزي لهوية جامعة باجتراح (هوية مولده) تتمسك بالحد الأدنى من المشتركات وصولاً لفكرة سياسية جامعة توحد الإرادة الجنوبية وتنيب الهوية الجامعة لإحداث الاصطفاف الوطني المطلوب لبناء دولة في سن الطفولة.
لا تنطبق هذه الوصفة على السياسي الجنوبي لأنه (تكتيكي) وليس له أي أفق استراتيجي. مواقف الساسة الجنوبيين تتغير فصلياً مثل (جلد الثعبان) بتأثيرات محلية وتجاذبات إقليمية فهو لايخاطب إجندته بغير ما يتوجه خطابه للآخر الإقليمي والدولي، يستقوى بقبيلته وليس للعباءة الوطنية أي للموطأ القبلي لجانب (الخزف أو السكسك أو الريش) علامات طقوس القبيلة.
هو سياسى مخلص جدًا لشهواته السلطوية، ويقدس نزواته ونزوقاته ويطرح نفسه بعلانية في (سوق الله أكبر) يبيع المواقف، ولايشتري المستقبل، يتعامل آنياً بما تمليه اللحظة السياسية، ولا يأبه بالتراكم الذي ربما يقود للمصير الماثل.
يعضد قولي هذا أن الأحزاب الشمالية ظلت تنشئ في هياكلها أمانات سياسية تسميها (أمانة الجنوب) ليس في هذه الأمانات أي باحثين يتقصون دلالات الاتثروبلوجيا، أو دور القبيلة، أو إمكان تحويل معتقداتها لركائز سياسية، الأمانة المنوطة بالجنوب عبارة عن شخص واحد و (شنطة) وهذه (الشنطة كانت يوما ما كلاشنكوف)!.
ويعضد استنتاجي أيضاً أن هذه الحرب التي تدور الان هي ليست حرباً تعبر عن خلافات، هي حرب تعبر عن (القضايا المتفق عليها) مثل الرئاسة، والانتخابات، وحقوق الإنسان، وحصدت أرواح الآلاف فما بالك من حرب تعبر عن القضايا غير المتفق عليها؟!!.
بالطبع ليس بوسعي تهنئة الدكتور أمين على هذا الاستنتاج المبكر، لأن آثاره المدمرة توجعني ولكن بوسعي الإشارة إليه فقط!
[/JUSTIFY]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني