منصور الصويم

عودة الكائن الصفوفي


[JUSTIFY]
عودة الكائن الصفوفي

يحكى أن مدنا سودانية عدة تشهد هذه الأيام عودة مكثفة لظاهرة الصفوف البشرية المرتبطة بالخدمات الحياتية والمعيشية الضرورية والحيوية واليومية، فصفوف الوقود التي تأخذ شكل قطار من السيارات المتوقفة، بدأت تطل من جديد وتذكر الناس بزمن مضى ينتمي إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كما انتشرت بين الأحياء صفوف المواطنين أمام المخابز لأجل الظفر بنصيبهم من الخبز مما يذكر أيضا بأوقات متقطعة من القرن الماضي؛ محلية وعالمية أشهرها ارتبط بالحرب العالمية الثانية، وهذا بالطبع في دول أوروبا كما تخبرنا الصور الأرشيفية. والصفوف البشرية في كل الأزمنة والأمكنة تعبر فقط عن الأزمات والضيق وحالات الكساد الاقتصادي العظيمة وقد تكون في أغلبها مؤشرا خطيرا على حالة انهيار عام و(جوع) يتمدد.
قال الراوي: وللصفوف رغم آلامها وإذلالها ومهانتها، طرائفها، كما لها سماسرتها وتجارها الذين يجدون فيها فرصا طيبة لزيادة ثرواتهم ومضاعفتها على حساب المساكين والمأزومين والمحرومين، والطرائف لاسيما في صفوف الخبز والمواد التموينية قد تظهرها المشاجرات (السخيفة) حول “مكاني” و”مكانك” و”احجز لي” و”احجز ليك” و”دا حجري خليته هنا هسي” و”دي كرتونتي يا ناس”، كما قد تظهرها سلوكيات بعض صغار السماسرة (تحت التمرين) الذين يحولون الأمر برمته إلى نشاط مهني ويتفرغون لـ(الحجز) نيابة عن الآخرين من دغشا بدري، خاصة في صفوف الوقود التي تتطلب أحيانا مبيتا في طلمبات الوقود والانتظار لساعات طويلة جدا تمضي بطيئة ومملة وممرضة.
قال الراوي: أما المرابون والسماسرة الكبار فإن أزمنة الصفوف تمثل لهم موسما استثنائيا لا يعوض لمضاعفة أرباحهم وكنز المزيد من الأموال واغتناء المزيد من العقارات والسيارات ومضاعفة الزوجات، فالموسم للندرة والحاجة الملحة و(الأكل) الذي لا استغناء عنه. وهؤلاء غالبا لهم علاقاتهم المتشابكة والمتداخلة في كل موقع سواء أكان سلطة وزارية أو شركات إنتاجية ضخمة..الخ، حيث يبدأون بالتنسيق فيما بينهم بالتحكم في مصادر (التموين) والوقود وضخها بالتقتير وبالحساب الشيطاني مما يجعل الأزمة مستمرة ومستدامة والصفوف تتطاول بلا نهاية.
ختم الراوي؛ قال: مؤسف أن يظل السودانيون (مجهجهين) داخل فضاء هذه الدائرة الجهنمية من الأزمات المعيشية والحياتية التي لا تنتهي إلا كي تستعيد لياقتها ثم تبدأ من جديد.
استدرك الراوي؛ قال: يمتاز الكائن الصفوفي بالنرفزة والدبرسة وقلة النوم والقابلية للانفجار في أي وقت.

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي