أكبر باخرة قمح.. اختشوا!
*قدمت لنا الدعوة لحضور خطاب السيد رئيس الجمهورية من داخل قاعة الصداقة بالخرطوم ضمن قبيلة الإعلاميين، لكن رأيت أن أتابع هذا المونديال السياسي على شاشة التلفزيون، وذلك لعدة أسباب أهمها..
*واصدقكم القول لو أن الأمر يتعلق بموسم حصاد أو تدشين حملات زراعية في الجزيرة أو القضارف لشديت الرحال لها، فلقد سئمت هذه المحافل السياسية التي أنتجت لنا أطناناً من الأماني والجدل الذي لا يقوى على إطعام فقير واحد.
*صحيح إن المدخل المنطقى لبناء دولة الإنتاج والكفاية والعدل يبدأ بترميم مشروع الجبهة الداخلية، وتجفيف بؤر الصراع والاحترابات التي تهلك مواردنا على قلتها، وتستنزف أوقاتنا وتهدر مواسم إنتاجنا.
*على أن قدر الحكومة ومسؤولية الحزب الحاكم في هذه المرحلة، أن يتحمل عبء المبادرات من وقت لآخر، والمشهد الإقليمي والعربي يحفزنا إلى المزيد من البحث عن فرص التلاقي، وإلا سنصبح سوريا ثانية أو بغداداً أخرى، لأن الذي أسوأ من ضنك الأشواق واشتعال أسعار السلع، هو أن نعاني ندرة في سلعة الأمن وتكون البلد برمتها تحت سقف النزوح والتشرد ورحمة المنظمات الدولية، ولاسيما عقول الجماهير الباطنية مشبعة بهذه المشاهد.
*فغداة خطاب الرئيس قرأت هذا الخبر الصادم الذي تتحمل نتائجه كل النخب السياسية، الحاكمة منها والمعارضة، التي تحكم والتي تتطلع للحكم، فسياسيونا طول حياتهم حالتان، إما حاكمون يتشبسون بالسلطة وإما معارضون يعملون كل شيء للعودة!
*يقول الخبر (إن بلاد النيل والأرض العذبة والأشواق) تستقبل الآن أكبر باخرة قمح مستورد في تاريخها، ويبشرنا صناع الخبر المنسوب إلى سيقا أو مطاحن ويتا، لا أدري، إلى أن حمولة هذه الباخرة التي هي أكبر في تاريخنا تبلغ سبعمائة وخمسين ألف طن قمح!
*وبالمناسبة، ونحن قد سلَّمنا أمور خبزنا وقمحنا إلى شركتي (سيقا وويتا) اللتين صممتا مطاحنهما على القمح غير السوداني، القمح المستورد، أولاً لماذا لا توجد مطاحن بهذه الشركات قادرة على طحن قمحنا السوداني على قلته، ثم ثانياً لماذا لا تدخل هذه الشركات ذات الراساميل الهائلة جداً في عملية زراعة القمح داخليا، على أن تُعطى كل شركة مطاحن مزرعة تبدأ بنصف مليون فدان قابلة للزيادة، لتساعد هذه الشركات التي تستنزف مواردنا في مشروع توطين زراعة القمح وتأمين الغذاء! حتى تثبت جدارتها الوطنية وإنها ليست فقط مشرعات ربحية!
*فنحن أيها السادة الأكارم الآن بصدد إنتاج عملية سياسية ضخمة جداً لو تيسر احتسابها بالأطنان لفاقت أوزانها حجم ما نحتاجه من قمح، والقمح لا بواكي له أمس في قاعة الصداقة! فكل تلك العمائم بلا رؤية قمح وفكرة إنتاج.
*هكذا تصدَّر أمس مشهد المحفل السياسي الباهظ (جيل حنتوب) الذي يذهب إلى الثمانين وقاعة الصداقة في وقت واحد، والسيد الإمام الصادق المهدي والدكتور الترابي وتخلف السيد أبو عيسى، هكذا كتبت على هذه الأجيال أن ترزح تحت وطأة هذا الجيل الذي يدير أمور البلاد من الاستقلال وحتى الآن، ومشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها..
*فمن كان منكم جميعاً بلا وزر وطني فليرمها بحجر! فباخرة القمح التي نستقبلها الآن يتحمل وزرها كل القادة وكل الأنظمة وكل النخب، القمح هو الذي أطاح بكل تعددياتنا السابقة يتهدد الآن حاضرنا ومستقبلنا.
*وللأسف نحن أمة لم تبلغ رشد مرحلة التفكير في عمليات الإنتاج بعد، نحن لم نتفق على الوطن والمرتكزات الأساسية بعد!
*مخرج.. رغم كل ذلك يحتاج كبرأونا الذين أضلونا السبيل، والذين تجاوزوا عمر النبوة، أن يختموا حياتهم (بوفاق) يجمع شتات ما بقي من وطن وآمال..
*مخرج.. لو كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد، فيجب وضع الحصان أمام العربة.. محمد بن راشد المكتوم.
مخرج أخير.. لو كان بالمراد واليمين مطلوق ما كان بنشنق ود أبكريق في السوق..
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي