داليا الياس

قوة التعايش وسطوة التشويش 2-2

المعلومات المطبوعة التي وجدناها مخبوءة تحت أكوابنا على الطاولات كلها ذات قيمة وأبعاد علمية وإعلامية.. والبداية غير التقليدية التي ابتدرنا بها التداول في لقائنا مع الجهات المعنية حول كيفية تخفيف معاناة المتعايشين من الأيدز من أصحاب الإرادة مع الوصمة الاجتماعية منحت اللقاء حيوية كبيرة زادها جمالاً, بالضرورة ذلك الانسجام الجميل الذي شمل الجميع رغم عدم وجود سابق معرفة بين الكثيرين!

أنخاب الأفكار والضحكات تدور بيننا.. وعقولنا وقلوبنا مفتوحة على الأنباء الجديدة التي تتغذى بها أرواحنا حول حقيقة المرض وكيفية التعامل مع مرضاه.

كل ذلك كان يمضي بسلاسة وتشويق قبل أن ينبري (مصعب محمود) ليباغتنا بالسؤال عن عدد المتعايشين الموجودين في معيتها يومها!!

عدد مقدر من الشابات والشبان ينهضون بكل شجاعة معلنين عن أنفسهم، بينما نفغر أفواهنا من فرط المفاجأة! إذ أنهم كانوا جميعا في تمام العافية والبهاء! وطالما بدأوا يحكون تجاربهم مع الإصابة وكيفية تعايشهم مع المرض ومعاناتهم مع المجتمع والقوانين المتعسفة وبرغم الألم الذي يعصر قلوبنا لم يكن من اللائق أمام هذه البطولات أن نذرف الدموع.. كان علينا فقط أن ننحني احتراما لتلك القوة والتصالح مع الذات والرضا.. ونقرر جميعاً أن نساهم بكل طاقتنا في رفع الظلم الاجتماعي عن تلك الفئة المظلومة المكلومة الصابرة المتعايشة!

إن مريض الأيدز لا يتجاوز كونه مصاباً بفيروس نقص المناعة المكتسب الذي ينقل إما عن طريق الدم أو الممارسات الجنسية المنحرفة، ولكنه غالبا يكون شخصاً سوياً وقوياً لا تبدو عليه أي سمات, وقادر على تقديم خدمات جليلة لوطنه وأهله.. فقط يحتاج منّا التوعية اللازمة بالمرض والمطالبة بحقهم في ممارسة حياتهم الطبيعية دون حرمان أو إساءة!

والمؤسف أن بعض الذين يأتون بتلك المسالك المخزية من قبيلة الحقل الطبي نفسه الذي نعول على سعة إدراكه ووعيه!!

ترى.. ما معنى أن يحرم طفل بريئ قدر له أن يصاب قسرا (بذلك الفيروس) من الدراسة؟ أو يطرد أحدهم من العمل لذات السبب؟ أو نمتنع عن مصافحتهم والتعامل معهم ونغلق أبوابنا في وجوههم دون أن نتفكر ونتدبر؟

إن الأيدز مرض لعين، ولكنه قابل للترويض والتعايش.. لا يضطر المصاب به لتغيير نظامه الغذائي مثلما يحدث لمرضى السكر والضغط مثلا.. ولا يبدو عليه الهزال مباشرة مثل مرضى السرطانات وغيرها. إن القوانين التي تنادي بالحجر على مرضى نقص المناعة المكتسب ومنعهم من الدراسة والعمل والسفر وحتى الزواج، هي للأسف قوانين عقيمة.. فالعديدون أُصيبوا بالمرض نتيجة لأخطاء طبية لا يمكن بأي حال من الأحوال تصنيفهم أخلاقياً واجتماعياً بسببها!!

ولأن الحديث طويل وذا شجون.. أكتفي بتحريك البركة الساكنة.. وأدعوكم للعودة من جديد لتقصي حقائق المرض, وتعديل الصورة الذهنية السالبة عن أولئك الصامدين الرائعين الذين يفتحون الروح ضلفتين ويضربون في جمعيتهم المثل الأعلى للزهد الإنساني والقوة والتسليم بقضاء الله وقدره والتعايش الجميل رغم التشويش الذي تمارسه وسائل الإعلام ضدهم دون رحمة أو هوادة.

تلويح:

شكراً للقائمين على الورشة.. والزملاء المشاركين من شتى المجالات بكامل التميز.. والشكر أجزله للمتعايشين الغالين الذين ذهبنا لنعينهم.. فأعانونا بأن (علمونا الاحتمال).. شفاكم الله وعافاكم ووقانا!!